انخفاض النفط وسط تراجع الطلب العالمي يعزز مصداقية "أوبك+"

خام برنت يهبط إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل متخلياً عن كل مكاسبه الناتجة عن الخفض الأخير للإنتاج

شروق الشمس من خلف الصهاريج في محطة كوشينغ لتخزين النفط في أوكلاهوما، الولايات المتحدة
شروق الشمس من خلف الصهاريج في محطة كوشينغ لتخزين النفط في أوكلاهوما، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مرة أخرى، يبدو أنَّ تحالف "أوبك+"، كان على حق.

عندما أقرت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها تخفيضات جديدة ومفاجئة لإنتاج النفط في وقت سابق من الشهر الجاري؛ أثار القرار ردَّ فعل عنيفاً من البيت الأبيض وجهات أخرى. لكن، ومع انخفاض سعر خام برنت إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل اليوم الأربعاء، متخلياً عن كل المكاسب التي حققها منذ إعلان خفض الإنتاج؛ فإنَّ حجة التحالف بأنَّ التخفيضات كانت ضرورية لتلافي زيادة المعروض في السوق، باتت تجد اليوم ما يبررها.

قالت حليمة كروفت، رئيسة استراتيجية السلع في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets LLC): "ستؤكد الرياض على الأرجح أنَّ الأسعار كانت ستصبح أقل بشكل ملموس لو لم تتخذ تلك الخطوة في وقت سابق من الشهر الجاري".

يذكّر هذا الأمر بالجولة السابقة من تخفيضات إنتاج "أوبك+" في أكتوبر، وهو القرار الذي قوبل بالإدانة في البداية، لكنَّه بدا وكأنَّه تعبير عن "بصيرة نافذة" في ظل ضعف الطلب وانخفاض الأسعار.

استجابة استباقية لعلامات ضعف الطلب

يحاجج أعضاء "أوبك+" الرئيسيون، بأنَّ قيود الإنتاج الجديدة، التي أضافت إلى تخفيضات الإنتاج أكثر من مليون برميل يومياً على أن تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، كانت بمثابة استجابة استباقية ضرورية لعلامات ضعف الطلب والمضاربة الكبيرة في السوق.

موقف التحالف ذلك لم يحظَ بترحيب من قبل المستهلكين، خصوصاً عندما ارتفعت عقود خام برنت بنسبة 8% إلى 86 دولاراً للبرميل في لندن، في اليوم التالي على صدور القرار في الثاني من أبريل. وصفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الخطوة في ذلك الحين بأنَّها "غير حكيمة"، في مؤشر آخر على توتر العلاقات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فيما حذّرت وكالة الطاقة الدولية بأنَّ الخطوة تزيد معاناة المستهلكين جراء التضخم، وتعرّض الاقتصاد العالمي للمخاطر.

اقرأ أيضاً: بوتين ومحمد بن سلمان يؤكدان ارتياحهما للتعاون في "أوبك+"

لكن في الأسابيع الثلاثة التي انقضت منذ تحرك الأعضاء الرئيسيين في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"؛ تدهورت أسواق النفط بشكل مطرد. تراجعت المؤشرات الرئيسية في سوق النفط الخام في آسيا، إذ لم يفلح انتعاش ما بعد الوباء في الصين، أكبر مستورد للنفط، في تلبية التوقُّعات. كما أنَّ تراجع أرباح تكرير النفط خلال الأسابيع القليلة الماضية، دفع الشركات إلى النظر في إمكانية خفض معدلات معالجة النفط الخام.

وفي غضون ذلك، أثرت المخاوف المستمرة من ركود محتمل في الولايات المتحدة على معنويات المستثمرين، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الذي يزيد من قوة الدولار ويقلل من جاذبية أصول المخاطرة، مثل السلع الأساسية.

انخفض خام برنت إلى ما دون 79 دولاراً للبرميل اليوم الأربعاء، وتجاوزت أسعار العقود الآجلة الأسعار الفورية، مشكلة ما يُعرف بظاهرة "كونتانغو" (Contango)، وذلك للمرة الأولى منذ يناير.

اقرأ المزيد: وكالة الطاقة الدولية: تخفيض "أوبك+" يكثّف "الحصار" على مستهلكي النفط

ما تزال هناك فرصة لإثبات أنَّ منتقدي "أوبك" على حق، في الجزء الأخير من العام.

توقعات بشح في المعروض خلال النصف الثاني

يُتوقَّع أن تتحول أسواق النفط العالمية إلى شح في المعروض عندما يرتفع الطلب خلال النصف الثاني، إذ تشير بيانات "أوبك" إلى توقُّع حدوث نقص حاد في الإمدادات بأكثر من مليوني برميل يومياً. تتوقَّع مجموعة "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان تشيس آند كو" ارتفاع سعر النفط الخام إلى 90 دولاراً للبرميل بحلول نهاية عام 2023.

اقرأ المزيد: "أوبك" تُبقي توقعاتها لنمو الطلب على النفط دون تغيير

قال هيلغ أندريه مارتينسن، المحلل في بنك "دي إن بي إيه إس إيه" (DNB ASA) في أوسلو، إنَّه "بالنظر إلى حركة الأسعار؛ يمكن للمرء أن يجادل بأنَّها كانت خطوة صحيحة"، لكن من السابق لأوانه التوصل إلى نتيجة. وأضاف: "مع ذلك؛ يجب أن نتذكر أنَّه في النصف الثاني من العام، ينقلب ميزان النفط الأساسي إلى نقص شديد في المعروض".

وكالة الطاقة الدولية، ومقرها في باريس، تمسّكت بشدة بانتقاداتها، إذ قال مديرها التنفيذي فاتح بيرول لتلفزيون "بلومبرغ"، اليوم الأربعاء، إنَّ الانتعاش الاقتصادي "الهش للغاية" في خطر.

روسيا بدورها، وهي عضو في تحالف "أوبك+"، تزيد بشكل كبير من حالة عدم اليقين، إذ تعهّدت بخفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً، رداً على العقوبات المفروضة عليها بسبب حربها في أوكرانيا، لكنَّها حافظت حتى الآن على استقرار الصادرات بشكل مفاجئ.

قرار السعودية مبرر كما كان في 2022

في ظل التقلبات الاقتصادية الكبيرة بسبب استمرار التضخم المرتفع وزيادة أسعار الفائدة؛ يبدو قرار المملكة العربية السعودية مبرراً، كما كان عليه الأمر في العام الماضي. ففي ذلك الوقت، قال بايدن إنَّ المملكة ستواجه "عواقب" بسبب قيادتها خفض الإمدادات بأكثر من مليوني برميل يومياً. وقد اتُهمت الرياض بالانحياز إلى روسيا لرفع أسعار النفط، مما يساعد موسكو على تمويل الحرب في أوكرانيا.

لكن في الأشهر التي تلت ذلك، تراجعت أسعار النفط الخام في لندن من حوالي 100 دولار للبرميل إلى ما يزيد قليلاً على 76 دولاراً، وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إنَّ "أوبك+" نجح في تجنيب أسواق النفط المزيد من "الفوضى".

يبقى السؤال الآن ما إذا كان تحالف "أوبك+" سيجادل بأنَّ هناك حاجة إلى مزيد من الخفض في اجتماعه المقبل لمراجعة سياسة الإنتاج.

قال غاري روس، مستشار النفط المخضرم الذي تحوّل إلى مدير صندوق تحوط في شركة "بلاك غولد إنفستورز" (Black Gold Investors LLC): "ستنتظر (أوبك) حتى اجتماع يونيو لتقييم الوضع.. بحلول ذلك الوقت؛ إذا لم تتعافَ الأسعار إلى 80 دولاراً لخام برنت -وهو ما يجب أن يحدث- فقد تضطر إلى إقرار المزيد من خفض الإنتاج".