رجل واحد يحاول "المستحيل" لإعادة اليابان إلى ريادة صناعة الرقائق عالمياً

"رابيدوس" تستهدف إنتاج رقائق 2 نانومتر على نطاق تجاري بعد عامين فقط على طرحها من قبل "تي إس إم سي" و"سامسونغ"

تيتسورو هيغاشي، الرئيس والمدير التنفيذي السابق لشركة "طوكيو إلكترون"
تيتسورو هيغاشي، الرئيس والمدير التنفيذي السابق لشركة "طوكيو إلكترون" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتولى تيتسورو هيغاشي مهمة تبدو مستحيلة، تتمثل في إنشاء شركة من الصفر لتصنيع أشباه موصلات في اليابان، تكون قادرة على المنافسة عالمياً؛ والقيام بذلك في غضون أربع سنوات.

الرجل البالغ من العمر 73 عاماً لا يردعه شيء، ويجادل أن بإمكان شركة "رابيدوس كورب" (Rapidus Corp) التي تأسست حديثاً، أن تصل بسرعة إلى مستوى ينافس شركات من أمثال "تايوان سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ" (TSMC)، و"سامسونغ إلكترونيكس"، بدعم من الحكومة اليابانية والشركات المحلية المصنعة للمعدات.

الرهان الأكثر جرأةً

تحاول "رابيدوس" أن تفعل ما جادل الخبراء بأنه كان يجب على البلاد أن تفعله منذ عقود، عندما بدأت تفقد تفوقها في صناعة أشباه الموصلات. تستثمر الشركة المدعومة من الدولة، والتي تأسست في أغسطس، مليارات الدولارات في إنشاء مسبك رقائق متطور بحلول عام 2027، وهو أصل محلي من شأنه أن يدعم اقتصاد اليابان ويقويه.

قال هيغاشي، رئيس مجلس إدارة "رابيدوس"، لـ"بلومبرغ نيوز" خلال مقابلة: "أن تكون متقدماً على الآخرين وفريداً هو الموقع الوحيد الذي يمكنك منه تحقيق الكثير من الأرباح". وأضاف: "تقلل من قدر نفسك إن أنت قمت بشيء، سبقك إلى القيام به آخرون من قبل".

تايوان ترصد تسارعاً في نقل الشركات لإنتاجها بعيداً عن الصين

رغم محاولة الحكومات، بدءاً من واشنطن إلى بكين وبروكسل، بناء قدرات أشباه الموصلات محلياً، قد يكون هذا هو الرهان الأكثر جرأةً في صناعة الرقائق. تهدف "رابيدوس" إلى إنتاج رقائق 2 نانومتر على نطاق تجاري بعد عامين فقط من إنتاجها من قبل "تي إس إم سي" و"سامسونغ" اللتين تقودان هذه الصناعة.

"مايكروسوفت" تدعم توسع "AMD" برقائق الذكاء الاصطناعي

ولفهم الأمر من منظور أوسع، ينبغي معرفة أن الريادة في صناعة الرقائق، أو القدرة على إنتاج أشباه الموصلات وفق علوم الهندسة الأكثر تقدماً، تركزت في أيدي ثلاث شركات فقط لسنوات، وهي "تي إس إم سي" و"سامسونغ" و"إنتل". انسحبت كل شركة أخرى منافسة لأنها فشلت في مواكبة الأموال والخبرات التي صبها الثلاثي في كل جيل من رقائق السيليكون، بل إنه في الوقت الراهن، حتى شركة "إنتل" تجد صعوبة في المحافظة على قدرتها التنافسية.

هل المهمة مستحيلة حقاً؟

يرى أكيرا ميناميكاوا، المحلل في شركة الأبحاث "أومديا" (Omdia)، أن ما تحاول "رابيدوس" إنجازه يمثل تحدياً كبيراً، لكنه ليس مستحيلاً تماماً، لأنها تعمل مع شركاء عالميين، ومع سلطات الدول ذات الصلة التي تتحرك عند الضرورة".

بمعنى ما، يُعتبر هذا الجهد محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عندما كانت اليابان موطناً لبعض المصانع الأكثر تقدماً في هذه الصناعة. خسرت شركات مثل "إن إي سي" (NEC) و "توشيبا" وغيرهما من الأسماء التي كانت مألوفة بمرور الوقت، لأنها توقفت عن المخاطرة اللازمة للحفاظ على أحدث القدرات.

رهان "إنتل" على تصنيع الرقائق قد يقسم السوق إلى ثلاثة أجزاء

يجادل هيغاشي، الرئيس والمدير التنفيذي السابق لشركة "طوكيو إلكترون" (Tokyo Electron) لتوريد معدات صناعة الرقائق، بأن مشروعه يحتوي على جميع المكونات اللازمة ليبرز كقوة في الصناعة. يذكر أن الحكومة اليابانية خصصت بالفعل 330 مليار ين (2.4 مليار دولار) للمشروع، كما عبّر وزير التجارة في البلاد عن استعداده لتقديم ميزانية بهذا الحجم كل عام في المستقبل المنظور.

صندوق ياباني تابع لـ"غولدمان" ينضم للمتفائلين بأسهم الرقائق

قال هيغاشي: "أنا واثق جداً من قدرتنا على إنتاج رقائق بحجم 2 نانومتر ثم 1.4 بعد فترة وجيزة، لكن سيشكل إنتاج رقاقة 1 نانومتر تحدياً كبيراً". وأضاف: "نحن نعمل بشكل وثيق مع الشركات المصنعة للمواد وآلات الإنتاج، التي تعمل بالفعل على أحدث التقنيات مع رواد السوق بما في ذلك (تي إس إم سي)، كما تعهد شركاؤنا العالميون بتوفير الدعم الكامل في ما يخص التقنيات والمعرفة".

تحالفات هامة

حتى الآن، أبرمت "رابيدوس" تحالفات مع شركة "إنترناشونال بيزنس ماشينز" (International Business Machines) ومركز أبحاث الإلكترونيات الدقيقة (IMEC) الذي يقع مقره في بلجيكا. كما تحظى بدعم من عمالقة محليين، بمن فيهم "تويوتا موتور"، و"سوني غروب" و"سوفت بنك غروب".

أشار هيغاشي إلى أن اليابان لديها شركات محلية موردة لجميع المواد والمكونات وآلات الإنتاج المهمة التي تدخل في صناعة الرقائق. يتوق الكثير منها للعمل مع شركة يابانية مصنعة للرقائق،ـ لأنها تستطيع التعاون بشكل وثيق دون مخاوف بشأن فقدان المزايا التكنولوجية أو الأسرار لصالح شركة أجنبية. ويعني نجاح "رابيدوس" أيضاً أن بإمكان القطاع المحلي أن يحافظ على ارتفاع أرباحه بما يكفي ليظل ذا أهمية وسط المنافسة العالمية المحتدمة.

صادرات تايوان تهبط في مارس مع استمرار ضعف الطلب على الرقائق

قال هيغاشي: "تنتظرنا فرص هائلة إذا استطعنا أن نصبح الأوائل في السوق، وإذا ركزنا على صنع رقائق لمجالات محددة، مثل الذكاء الاصطناعي".

لا تمويل من القطاع الخاص

جدير بالذكر أن اليابان موطن مجموعة فريدة من الشركات الموردة المتخصصة، بما في ذلك شركة "أجينوموتو" (Ajinomoto) و"أدفانتيست كورب" (Advantest Corp).

كل تمويلات "رابيدوس" الآن لا تأتي سوى من الحكومة وشركائها من الشركات. وأوضح هيغاشي أن "رابيدوس" ليست لديها نية للجوء إلى أموال القطاع الخاص، حتى تبدأ الشركة في إنتاج الرقائق، والذي يُرجح أن يكون في عام 2027.

وقال: "نحن ندرس اتخاذ إجراءات مختلفة لجمع الأموال مثل الاكتتاب العام، لكن هدفنا النهائي هو أن نستقل مالياً، ونخطو خطى ثابتة نحو صنع رقائق متطورة. لذلك من الضروري ألا تتداخل أي عمليات ضخ نقدية مع ذلك".