علاقات الولايات المتحدة مع الصين تتحسن بهدوء رغم الاضطرابات العالمية

وزير الخارجية الصيني وانغ يي وصل واشنطن الخميس وسيلتقي جو بايدن خلال زيارته

صراع القوى بين الصين والولايات المتحدة
صراع القوى بين الصين والولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في حين تواصل حرب إسرائيل على غزة إثارة الانقسامات في العالم، الذي يعاني من صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع التضخم، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين فجأة تبعث على التفاؤل. وتعاملت حكومة الرئيس شي جين بينغ مع عدد كبير من المسؤولين الأميركيين منذ يونيو، حيث أخبر الرئيس الصيني أحد أعضاء مجلس الشيوخ هذا الشهر أن هناك "ألف سبب لتصبح العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أفضل، ولا يوجد سبب لأن تكون سيئة"، ضمن بعض تعليقاته شديدة الحميمية التي أدلى بها في الآونة الأخيرة حول العلاقة بين البلدين.

من شأن وصول وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى واشنطن يوم الخميس أن يؤدي إلى مواصلة هذا المسار. وسوف يلتقي كبير الدبلوماسيين بالرئيس جو بايدن خلال زيارته، ممهداً الطريق للقاء متوقع مع شي الشهر المقبل في كاليفورنيا.

في حين أن بكين لم تؤكد زيارة شي، إلا أن الزعيم الصيني أخبر حاكم تلك الولاية، جافين نيوسوم، يوم الأربعاء، أن "مصالح بلديهما متشابكة بشكل وثيق". وقال حاكم ولاية كاليفورنيا الأميركية يوم الخميس إنه يوجد "تحول واضح مقارنة بما كنا عليه قبل بضعة أشهر".

حاكم كاليفورنيا يلتقي الرئيس الصيني ويأمل في إدارة الخلافات

ثمة أسباب تدفع الجانبين إلى تعزيز العلاقات الودية قبل انعقاد منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في سان فرانسيسكو. وتحتاج بكين إلى بيئة جيوسياسية أكثر استقراراً لجذب المستثمرين الأجانب مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، بينما تريد الولايات المتحدة نزع فتيل التهديدات العسكرية والاقتصادية التي تمثلها القوة الآسيوية.

منطاد تجسس مزعوم

مع ذلك، ما تزال العلاقة بين البلدين هشة. فسرعان ما خرج اللقاء الذي جاء أفضل من المتوقع بين بايدن وشي قبل عام تقريباً -آخر مرة تحدث فيها الزعيمان وجهاً لوجه- عن مساره، بسبب منطاد تجسس صيني مزعوم مر فوق الولايات المتحدة، مما يؤكد على مدى سرعة فقدان المكاسب الصغيرة.

الولايات المتحدة: المنطاد الصيني كان جزءاً من برنامج تجسس

اتخذت الصين والولايات المتحدة مواقف متعارضة بشأن الحروب في أوروبا والشرق الأوسط، وتعمل واشنطن على تشديد القيود التجارية لعرقلة حصول بكين على التكنولوجيا المتطورة. وقد حذر بايدن يوم الخميس الصين من أن الولايات المتحدة ستتدخل إذا هاجمت بكين سفن الفلبين في بحر الصين الجنوبي.

يكتسب عقد أي لقاء بين شي وبايدن في الغالب "أهمية من الناحية الرمزية"، حسبما قال دونغشو ليو، الأستاذ المساعد المتخصص في السياسة الصينية بجامعة "سيتي" في هونغ كونغ. أوضح ليو أن "بكين تحاول على الأقل تهدئة التوتر مع الولايات المتحدة وتحقيق الاستقرار في العلاقات. لكن كلا الجانبين يدركان أنهما لا يستطيعان التوصل إلى تسوية كبيرة بسبب الضغوط الداخلية".

العلاقة في الحضيض

انهارت علاقة الصين بالولايات المتحدة في أغسطس 2022، بعد أن تحدت رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي تحذيرات بكين وزارت تايوان- التي تتمتع بالحكم الذاتي، وتطالب الصين بالسيادة عليها. ردت بكين بتجميد الحوار العسكري رفيع المستوى مع الولايات المتحدة، مما أثار مخاوف من أن وقوع حادث في مضيق تايوان قد يتحول إلى صراع بين القوتين المسلحتين نووياً.

في الوقت الحالي، توجد دلائل على عودة العلاقات العسكرية إلى مسارها. أكدت وزارة الدفاع الأميركية في وقت سابق من أكتوبر أنها قبلت دعوة للمشاركة في "منتدى بكين شيانغشان" الأسبوع المقبل، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها الصين الفعالية منذ عام 2019.

بيلوسي: أميركا لن تتخلى عن تايوان في مواجهة الضغط الصيني

ذكرت وكالة "رويترز" نقلاً عن أشخاص مطلعين على الأمر أن الصين دعت وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لحضور المنتدى. في حين ترسل الولايات المتحدة مسؤولاً من المستوى الأدنى، بما يتماشى مع المرات السابقة، فإن الدعوة رمزية، إذ تجاهلت بكين عقد المحادثات مع أوستن هذا العام، وطالبت واشنطن بإزالة العقوبات المفروضة على وزير الدفاع الصيني، واعتبرتها شرطاً لإجراء مثل هذا الحوار.

في وقت سابق من الأسبوع، أقال الرئيس شي وزير الدفاع لي شانغ فو من منصبه وسط تقارير عن إجراء تحقيق بشأن الفساد. إن تعيين مسؤول غير خاضع للعقوبات مكان وزير الدفاع قد يفتح الباب لإجراء محادثات مع أوستن.

المشاركة الاقتصادية

تتحسن العلاقات الرسمية أيضاً بين المسؤولين الاقتصاديين. منذ الترحيب بعدد كبير من المسؤولين الأميركيين الذين زاروا الصين في الأشهر الأخيرة، بينهم وزيرة الخزانة جانيت يلين ووزيرة التجارة جينا ريموندو، أطلقت بكين مجموعات عمل جديدة مع الولايات المتحدة.

عُقدت أولى تلك الاجتماعات المخصصة لمناقشة الموضوعات الاقتصادية مع موظفي وزارة الخزانة الأميركية عبر الإنترنت يوم الثلاثاء، بينما ناقشت مجموعة ثانية الموضوعات المالية في اليوم التالي.

أميركا والصين تشكلان مجموعات عمل اقتصادية لمناقشة القضايا الخلافية

"الحوار يتحسن بالفعل. ومع الزيارات التي قام بها العديد من المسؤولين الأميركيين إلى الصين هذا العام، أستطيع أن أرى بعض التحولات المهمة في اللهجة وفي الممارسة"، حسبما قال بيوش غوبتا، الرئيس التنفيذي لـ"دي بي إس غروب هولدينغز" (DBS Group Holdings Ltd)، على هامش منتدى الأعمال في شنغهاي في وقت سابق من أكتوبر. وأضاف: "إنهم يتحدثون الآن ولديهم في الواقع أجندة عمل. وأنا متحمس لذلك".

تنعقد الاجتماعات في وقت كثّف فيه شي جهوده في الأسابيع الأخيرة لدعم النمو الاقتصادي في الصين على المدى الطويل. وقام الزعيم الصيني بأول زيارة معلنة إلى البنك المركزي للبلاد منذ أن أصبح رئيساً قبل 10 سنوات، وأبدى تركيزه على القضايا الاقتصادية.

مناطق الصراع

مع عودة خطوط التواصل، تظل المسائل الشائكة قائمة، مثل دعم شي لروسيا. أعطى الزعيم الصيني الرئيس فلاديمير بوتين منصة دبلوماسية أثناء قمة كبرى عُقدت في بكين خلال وقت سابق من أكتوبر، متحدياً دعوات بايدن لـ شي بالوقوف ضد الحرب الروسية.

يشكل رفض الصين إدانة "حماس" بعد توغلها في إسرائيل نقطة خلاف أيضاً. وقد دعا سفير واشنطن لدى الصين، نيكولاس بيرنز، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" الأسبوع الماضي، حكومة شي إلى إدانة الإرهاب الذي تمارسه حماس، على حد زعمه.

كتب محللون لدى مجموعة "أوراسيا" في مذكرة بحثية حديثة: "إن موقف الصين من الأزمة لا يزال يضعها على خلاف مع الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تتصدر الأزمة جدول أعمال" وانغ هذا الأسبوع.

يمكن أن تكون علاقات البلدين مع القادة على طرفي الصراع، نقطة تعاون، حسبما قالت دون ميرفي، الأستاذة المشاركة في استراتيجية الأمن القومي لدى كلية الحرب الوطنية الأميركية. أضافت: "يمكنهم جمع كل الأطراف معاً لمنع تصعيد الأمر إلى حرب إقليمية أوسع".

خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ واشنطن، سيجلس مرة أخرى مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، لمتابعة يومين من المحادثات "الصريحة" التي عقدت في مالطا الشهر الماضي بشأن تايوان وروسيا.

حرب غزة ونفوذ بكين لدى إيران يهيمنان على محادثات بلينكن ونظيره الصيني

إن القدر الهائل من الوقت الذي يخصصه وانغ للتفاوض مع سوليفان قبل قمة "أبيك" يعني أن الاجتماع لديه القدرة على تحقيق مفاجأة إيجابية، حسبما قال ريتشارد ماكغريغور، باحث كبير في شؤون منطقة شرق آسيا لدى "معهد لوي". وأضاف: "سيكون المعيار الرئيسي هو ما إذا كانت واشنطن قادرة على إقناع بكين بوضع قواعد المنافسة المباشرة بينهما، خاصة فيما يتعلق بالمنافسة في المجال العسكري".