كثرة المعروض تفقد معادن البطاريات بريقها

التقلبات تنذر بأن الطريق إلى الوقود النظيف قد لا يكون سلساً

بطاريات سيارات كهربائية من إنتاج شركة "كاتل" الصينية
بطاريات سيارات كهربائية من إنتاج شركة "كاتل" الصينية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في عالم معادن البطاريات سريع التحرك، بات عام 2022 حقبة ماضية. حينها، كانت الأسعار ترتفع، وكانت شركات صناعة السيارات قلقة بشأن النقص طويل الأمد، وكان إيلون ماسك يصف تكاليف الليثيوم بأنها "جنونية".

بعد مرور عام ونصف العام على تعليقات الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، انقلبت ديناميكيات سوق المعادن ذات الأهمية الحاسمة لتحول الطاقة. وانخفض سعر الليثيوم بنسبة 70% تقريباً حتى الآن، بينما انخفض النيكل بنسبة 40% تقريباً، وتراجع الكوبالت أيضاً.

يُعد هذا الثلاثي من مكونات بطارية السيارة الكهربائية، من بين الأسوأ أداءً في عالم السلع الأساسية، إذ انخفضت الأسعار بسبب تباطؤ نمو مبيعات السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى زيادة المعروض القادم من الصين وإندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. يُعد هذا التحول في الثروات بمثابة تذكير بأن الطريق إلى الوقود النظيف، قد لا يكون سلساً.

تراجع الطلب مع انخفاض القدرة الاستهلاكية

قال المسؤول الإداري لأبحاث السلع في شركة "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets) كولين هاميلتون إن "هناك إمدادات كافية من الجميع في الوقت الحاضر"، مضيفاً أن أسعار معادن البطاريات "كانت مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن أن تكون مستدامة" بمجرد توسع الإنتاج بسرعة أكبر من المتوقع.

لا تزال مبيعات السيارات الكهربائية في ارتفاع، لكن أسعار الفائدة المرتفعة والظروف الاقتصادية غير المؤكدة في الاقتصادات الكبرى، تؤدي إلى إضعاف طلب المستهلكين، في حين شهدت الصين، التي تُعد السوق الأكبر، تباطؤاً في النمو على أساس سنوي.

اقرأ أيضاً: هل سيزيح الصوديوم الليثيوم من بطاريات السيارات الكهربائية؟

كتب دانييل هاينز وسوني كوماري، المحللان في بنك "إيه إن زي" (ANZ)، في مذكرة الأسبوع الماضي، أن "الزيادة الضخمة" في إنتاج البطاريات الصينية، مدعومةً بالسياسات الحكومية، تعني أن العرض يفوق الطلب بنسبة اثنين إلى واحد. أضاف المحللان أن هذا الواقع أدى إلى قيام شركات البطاريات بخفض الإنتاج وتقليل المخزونات، وأن أسعار الليثيوم والنيكل والكوبالت من المرجح أن تظل منخفضة على المدى القصير.

ارتفاع إمدادات الليثيوم والكوبالت والنيكل يضر بالأسعار
ارتفاع إمدادات الليثيوم والكوبالت والنيكل يضر بالأسعار المصدر: بلومبرغ

ارتفاع مستوى العرض

يخفف انخفاض أسعار المعادن من ضغط التكاليف على شركات صناعة السيارات ومنتجي البطاريات، ويمكن أن يؤدي إلى توافر سيارات كهربائية بأسعار أرخص للمستهلكين.

استفادت شركة "بي واي دي" (BYD)، أكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية في الصين، وشركة "كاتل" (CATL)، أكبر منتج للبطاريات في البلاد، من انخفاض تكاليف الليثيوم هذا العام.

على صعيد توريد المعادن ومعالجتها، أثرت عدة تطورات على الأسعار. كان هناك توسع مفاجئ في تعدين الليثيوم منخفض الجودة في الصين، في حين تحول سوق النيكل بسبب تسونامي الإنتاج منخفض التكلفة من المصانع التي تمولها الصين في إندونيسيا. إلى ذلك، يتم إنتاج المزيد من الكوبالت، بشكل رئيسي من مناجم النحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومشاريع النيكل في إندونيسيا، حيث يتم إنتاجه كمنتج ثانوي.

سيكون هناك فائض في المعروض من معادن البطاريات الثلاثة خلال السنوات القليلة المقبلة، وفقاً لتوقعات شركة الاستشارات الصناعية "بنشمارك مينرال إنتيليجنس" (Benchmark Mineral Intelligence) وأضافت أن أسواق النيكل والليثيوم لن تعاني من عجز حتى عامي 2027 و2028 على التوالي، في حين أن الطلب سيتجاوز العرض على الكوبالت اعتباراً من عام 2026.

توقعات بتسجيل الليثيوم والنيكل فوائض بالمعروض حتى 2028
توقعات بتسجيل الليثيوم والنيكل فوائض بالمعروض حتى 2028 المصدر: بلومبرغ

الأسعار قد ترتفع

قال لي جياهوي، المحلل في شركة "شامان شيانيو نيو إنيرجي كو" (Xiamen Xiangyu New Energy Co) في مؤتمر أواخر الشهر الماضي: "ستستمر أسعار الليثيوم في مواجهة ضغوط هبوطية في عامي 2024 و2025، حيث يفوق حجم الإنتاج لدى مصادر العرض الجديدة، مستوى الطلب".

اقرأ أيضاً: تشيلي تسعى لجذب الشركات اليابانية لتطوير إنتاج الليثيوم

مع ذلك، لا تزال هناك مخاطر متعلقة بصعود أسعار معادن البطاريات مجدداً، إذ كتب مصرف "سيتي غروب" في مذكرة الشهر الماضي، أن الاحتمال متزايد أن إندونيسيا، التي تنتج أكثر من نصف النيكل في العالم، يمكن أن تتخذ خطوات سياسية لتعزيز الأسعار.

وفي الوقت نفسه، تخطط الصين لتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الكوبالت، وهو أمر مهم أيضاً في الصناعات العسكرية وصناعات الفضاء.

السؤال على المدى الطويل هو عمّا إذا كانت الدورة الحالية من انخفاض الأسعار ستؤدي إلى إقدام الشركات على إلغاء أو تأخير خططها لإنشاء مناجم أو مصافي جديدة للعقد المقبل، في ظل غياب الدعم السياسي من الحكومات التي تهدف إلى بناء سلاسل التوريد الخاصة بها.

التقلبات ستستمر

شركة "ألبيمارل" (Albemarle)، أكبر منتج لليثيوم في العالم، تعتبر أن هذا بدأ يحدث بالفعل. وقال مسؤولون تنفيذيون خلال مؤتمر هاتفي يوم الخميس، إن الأسعار وصلت الآن إلى مستويات تهدد عدداً كبيراً من المشروعات ذات التكلفة الأعلى.

في حديثها في لندن الشهر الماضي، قالت سو شو، رئيسة قسم تحوّل الطاقة والمواد الخام للبطاريات في شركة "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie)، إن الاضطراب لم ينته بعد حتى مع نضوج الأسواق.

أضافت: "ستظل أسعار المواد الخام للبطاريات متقلبة، لكن الدورات المستقبلية أصبحت أكثر استدامة حيث تظهر الأسواق علامات النضج. إن الضغط من أجل التسليم هائل، حتى مع إعادة التدوير".