كيف يمكن أن تؤثر التوترات في الشرق الأوسط على مسارات رحلات الطيران؟

نحو 300 رحلة يومية بين أوروبا ووجهات في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ستكون الأكثر تأثراً

طائرات ركاب تديرها "إير فرانس-كيه إل إم" وشركة طيران "العال" الإسرائيلية
طائرات ركاب تديرها "إير فرانس-كيه إل إم" وشركة طيران "العال" الإسرائيلية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبح الشرق الأوسط منذ فترة طويلة مفترق طرق عالمياً للسفر الجوي، حيث تقطع مئات الطائرات المنطقة كل يوم في رحلات لمسافات طويلة تربط بين الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. لكن استخدام هذه المسارات أصبح أكثر صعوبة الآن، مع تزايد التوترات التي تجبر شركات الطيران على تقليص خدماتها كإجراء احترازي للسلامة. وزادت الحرب بين إسرائيل وحماس -في منطقة مليئة بالمواقع الملتهبة بالفعل- من الصعوبات التي تواجه الطيران بين الشرق والغرب. يحدث ذلك، بعد أن أطال الغزو الروسي لأوكرانيا أمد العديد من الرحلات ساعات من خلال إغلاق المجال الجوي الشاسع أمام العديد من الشركات العابرة للحدود الوطنية، بما في ذلك طرق الدائرة الكبرى عبر سيبيريا، وهي مقصد شهير بين القارات.

أوقفت شركة "العال" الإسرائيلية الطيران فوق معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، وقامت بالتحليق على نطاق واسع متحملة تكلفة عدة ساعات بالنسبة للرحلات الجوية إلى بانكوك. كما أجّلت الشركة خدماتها إلى الهند، في حين ألغت الرحلات الموسمية إلى طوكيو.

الحرب في غزة تدفع شركات الطيران للتحوط من ارتفاع أسعار النفط

أوقفت معظم شركات الطيران الأخرى الطيران إلى تل أبيب بعد اندلاع الأعمال العدائية. كما انسحبت شركة "دويتشه لوفتهانزا" (Deutsche Lufthansa AG) من بيروت في الوقت الراهن، في حين قالت شركة "إير فرانس-كيه إل إم" إنها سجلت انخفاضاً طفيفاً في طلب الركاب على الرحلات إلى المنطقة.

انخفاض الطلب على السفر الدولي

تتسبب الحروب أيضاً في مشكلات محتملة للأشخاص الذين يسافرون على متن شركات الطيران التي لا تزال تحلق فوق المناطق المتنازع عليها. عالمياً، وانخفض الطلب على السفر الدولي بنحو 5 نقاط مئوية منذ بدء الحرب بين حماس وإسرائيل في 7 أكتوبر، وفقاً لشركة "فورورد كيز" (ForwardKeys)، المختصة في تحليلات قطاع السفر.

وقعت الصراعات المحلية في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، وتسببت في حظر مناطق الطيران فوق اليمن وسوريا والسودان أمام معظم شركات الطيران. وتتجنب الشركات الأميركية والبريطانية المجال الجوي الإيراني، وبدلاً من ذلك تطير لمسافات طويلة نحو الغرب في المجال الجوي العراق.

رغم تفاقم الوضع خلال الآونة الأخيرة، لم تحدث تأخيرات كبيرة حتى الآن بالنسبة للرحلات الجوية عبر المنطقة، إلا أن مساري إيران والعراق يواجهان مزيداً من الضغوط. وتزايدت الهجمات على القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق وسوريا، في حين حذّرت إيران من احتمال فتح جبهات جديدة مع تقدم إسرائيل في غزوها البري لقطاع غزة.

"فيرجن أتلانتيك": الصراع في الشرق الأوسط يضر السفر بالمنطقة

حال اتساع نطاق عمليات إغلاق المجال الجوي في الشرق الأوسط؛ فإن نحو 300 رحلة يومية بين أوروبا ووجهات في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ستكون الأكثر تأثراً، وفقاً لشركة تحليلات الطيران "سيريوم". وتوجد بدائل أخرى أمام شركات الطيران -رغم أنها باهظة الثمن ولا تخلو من المخاطر تماماً- مثل التوجه جنوباً فوق مصر، لكن ذلك يستغرق عدة ساعات إضافية، أو التوجه نحو الشمال، فوق مناطق الصراع الذي نشب مؤخراً بين أرمينيا وأذربيجان، أو الطيران حول أفغانستان أو فوقها.

تكلفة باهظة

قالت آن أغنيو كوريا، نائبة الرئيس الأولى للتوقعات والنمذجة في "إم بي إيه أفييشين" (MBA Aviation) للاستشارات: "سيشكل إغلاق المجال الجوي بهذا الحجم تحدياً حقيقاً أمام فرق تخطيط عمليات شركات الطيران وإدارة الإيرادات".

تواجه شركات الطيران في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا بالفعل تحويلات باهظة التكلفة حول المجال الجوي الروسي المحظور على الرحلات الجوية المتجهة إلى آسيا. واضطرت شركة "فين آير أوي" (Finnair Oyj) على إصلاح استراتيجيتها للمسافات الطويلة واستبعاد الطائرات التي لم يعد لديها المدى الكافي. فيما طلبت شركة "إير فرانس-كيه إل إم" طائرات طويلة المدى من طراز "إيه 350"، للتعامل مع الحظر الروسي بشكل جزئي.

أضافت كل ساعة طيران إضافية 7227 دولاراً إلى التكلفة المتغيرة لرحلة نموذجية ذات جسم عريض في عام 2021، بناءً على تقديرات إدارة الطيران الفيدرالية. وقال جون غراديك، خبير عمليات الطيران والمحاضر لدى جامعة "ماكغيل" في مونتريال، إن النفقات مثل الوقود والعمالة زادت منذ ذلك الحين. ويظهر تأثير عامل التكلفة الإضافية بشكل أوضح بسبب عودة شركات الطيران مثل "تشاينا إيسترن إيرلاينز" (China Eastern Airlines Corp) إلى الساحة الدولية.

أميركا ترفع عدد رحلات الطيران مع الصين لتنشيط السفر الجوي

مع زيادة عدد المقاعد بين المملكة المتحدة والصين (الرائدة في مجال السياحة الخارجية قبل كوفيد) وعودتها إلى مستويات عام 2019 في هذا الربع، استحوذت شركات الطيران الصينية على حصة في السوق على حساب الخطوط الجوية البريطانية وشركة "فيرجن أتلانتيك إيرويز" (Virgin Atlantic Airways)، بناءً على الجداول الزمنية التي تتبعها شركة "سيريوم". وينطبق الأمر نفسه على إيطاليا، حيث يزيد عدد المقاعد بنسبة 20%، كما سجلت شركات الطيران الصينية مكاسب.

في سياق متصل، لا تزال القدرة الاستيعابية المقررة للرحلات الجوية من الصين إلى ألمانيا وفرنسا وهولندا أقل 20% أو أكثر من مستويات الربع الرابع من عام 2019. وحصلت شركات الطيران الصينية على حصة من الخدمات المقدمة إلى البلدان الثلاثة، فيما خسرت "إير فرانس- كيه إل إم" و"لوفتهانزا" مواقعهما.

عواقب غير مقصودة

زادت الخطوط الجوية البريطانية عدد رحلاتها إلى شنغهاي وبكين، لكن أعداد المقاعد المتجهة إلى الصين ظلت أقل بنحو 40% من مستويات الربع الرابع من 2019، وفقاً لشركة "سيريوم". وأفادت "آي إيه جي" (IAG)، الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية، أن سعة المقاعد إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ أصبحت أقل بـ54% من مستويات عام 2019 في الربع الثالث.

قال بن سميث، الرئيس التنفيذي لـ"إير فرانس-كيه إل إم"، في مؤتمر عبر الهاتف يوم 27 أكتوبر، إن الشركة لا تعتبر نفسها في وضع غير ملائم كون معظم عملائها من الشركات لن يخاطروا بحياة موظفين على متن الرحلات الجوية الصينية التي تعبر روسيا.

كما كان هناك ركاب أميركيون على متن الطائرة التابعة لشركة "إير إنديا" (Air India) التي كانت متجهة من نيودلهي إلى سان فرانسيسكو في يونيو، واضطرت للهوبط في شرق روسيا بسبب عطل في المحرك. قال سميث: "لا توجد أي ضغوط علينا مطلقاً للتحليق فوق روسيا لتوفير الوقت".

الخطوط اللبنانية توقف بعض طائراتها في إسطنبول خشية توسع الحرب

على غرار شركات الطيران الصينية، لا يزال بإمكان شركة "إير إنديا" تسيير رحلات أكثر مباشرة عبر روسيا إلى الولايات المتحدة وكندا. واستحوذت شركة الطيران الرئيسية الصاعدة على ما يقرب من ثلاثة أرباع سوق الرحلات الجوية بين الهند والولايات المتحدة، بناءً على بيانات "سيريوم". كما تمتلك ما يقرب من ثلثي السوق الهندية الكندية، مع خسارة شركة "إير كندا" (Air Canada) موقع الصدارة الذي كانت تشغله في عام 2019.

من جانبه، صرح جون غرانت، كبير المحللين في شركة "أو إيه جي" (OAG) لتتبع الطيران، قائلاً: "ندخل عالماً ينطبق فيه قانون العواقب غير المقصودة.. توجد نماذج كثيرة على إغلاق المجال الجوي الآن مما شاهدناه في سنوات أخرى عديدة، وهذا يزيد من المخاطر على الصناعة بأكملها".