رياح هونغ كونغ في 2023 تعاكس آمال المستثمرين

السنة تعتبر أسوأ الأعوام التي مرت على المركز المالي في الذاكرة الحديثة

مشاة ينتظرون عبور الطريق في المنطقة المركزية في هونغ كونغ، الصين، يوم الإثنين 20 نوفمبر 2023
مشاة ينتظرون عبور الطريق في المنطقة المركزية في هونغ كونغ، الصين، يوم الإثنين 20 نوفمبر 2023 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

افترضت الأسواق أن عام 2023 هو عام الانتعاش في هونغ كونغ وعودتها إلى الساحة العالمية، مخلفة وراءها حقبة شابتها اشتباكات في الشوارع، وتضييق وقمع سياسي، وقيود فرضها انتشار الوباء.

غير أن الأحوال انتهت بهذه السنة بأن أصبحت أسوأ الأعوام التي مرت على المركز المالي في الذاكرة الحديثة، على الأقل فيما يتعلق بأداء الأسواق.

تدهور أداء مؤشر "هانغ سنغ"، بل أصبح ضمن أشد مؤشرات الأسهم تدهوراً في العالم بعد هبوطه بنسبة 16%، متراجعاً أمام مؤشرات منافسة في طوكيو ومومباي. وانخفضت قيمة الأموال التي تدفقت في الاكتتابات العامة الأولية إلى أدنى مستوى منذ انفجار فقاعة "دوت كون" التكنولوجية. وتتجه قيمة مبيعات المنازل إلى تسجيل أدنى مستوى في سنة واحدة منذ بدأ تدوين أرقام هذه المبيعات في عام 2002، كما تراجعت قيمة إيجار الوحدات الإدارية إلى أقل مستوى شهدته منذ 13 عاماً.

اقرأ أيضا: مستثمرو "وول ستريت" يتطلعون لأسهم الصين بحذر بعد عام مخيّب

تأكيداً على هذه الأزمة، تقول مواقع التواصل الاجتماعي إن المدينة أصبحت "أطلالاً لمركز مالي عالمي"، وهو الوصف الذي انتشر انتشاراً واسعاً، رغم رفضه من جانب وزير الخدمات المالية كريستوفر هوي.

قال الوزير إن هونغ كونغ ليست بناية يمكن أن تنهار تحت الضغوط. وتدخل رئيس المدينة التنفيذي جون لي مؤكداً أن الأرقام، بما في ذلك أرقام تدفق الأموال في سوق السندات وأقساط التأمين الجديدة، تكشف أن المدينة ما تزال مركزاً مالياً بارزاً.

تشير الدلائل إلى أن مكانة هونغ كونغ بوصفها أهم المراكز المالية في آسيا لا يهددها شيء في الوقت الراهن. فهي موطن المقار الإقليمية الرئيسية بالنسبة إلى بنوك وول ستريت. وتظهر بيانات شركة "بركين" (Preqin) أن نصف شركات إدارة صناديق التحوط في آسيا تتخذ مقراتها في المدينة. علاوة على أنها ما تزال أفضل المقاصد التي تذهب إليها الشركات الراغبة في اختراق اقتصاد الصين. ويكشف التاريخ أن هذه المدينة تنتعش وتخرج من أي أزمة مالية.

يقول قي وانغ، الرئيس التنفيذي لشؤون الاستثمار في إدارة الثروة لدى شركة "يو أو بي كاي هيان" (UOB Kay Hian): "استطاعت سوق هونغ كونغ أن تجتاز حربين عالميتين وأن تخرج سالمة من أزمات عديدة. ورغم ضخامة التحدي الذي يعترضنا اليوم، فإنه ليس تحدياً لم تواجه المدينة نظيراً له من قبل".

رياح معاندة اقتصادياً وسياسياً

ورغم ذلك، تواجه هونغ كونغ رياحاً قوية معاندة. فبوجه عام، تبتعد رؤوس الأموال الأجنبية عن الصين حالياً، وفي وقت تعرض الاستهلاك المحلي إلى ضغوط سلبية بسبب تباطؤ نشاط الاقتصاد في البلاد. كذلك تسببت القيود التي فرضتها بكين في عرقلة قطاعات اقتصادية مثل التكنولوجيا والعقارات، مع تعثر كثير من شركات التنمية العقارية في سداد ديونها.

ومحلياً، ارتفعت تكاليف الاقتراض في هونغ كونغ ارتفاعاً كبيراً بسبب ربط العملة بالدولار الأميركي. وغادر الوافدون والمواطنون من الشباب المدينة بأعداد كثيفة مع نضوب الوظائف المتاحة في القطاع المالي، وتعاظم المخاوف من زيادة سلطة بكين. علاوة على ذلك، تحيط الشكوك بقدرة هونغ كونغ على الحفاظ على المؤسسات التي تعتمد عليها مكانتها كمركز مالي عالمي.

في الأسبوع الماضي، قام أحد الباحثين بتخفيض تقييم المدينة في حوكمة الشركات إلى أدنى مستوى منذ عقود، مشيراً إلى تدهور ملحوظ في حماية حقوق الأقلية من المساهمين، وفي مدى استقلال السلطة القضائية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قررت مؤسسة "موديز إنفستورز سيرفيس" تخفيض نظرتها المستقبلية للمدينة، وأرجعت ذلك جزئياً إلى دلائل تدهور الاستقلالية في المجالين القانوني والسياسي.

مطاردة الحكومة للنشطاء تشكل تحدياً لعلاقاتها مع الغرب. وفي الأسبوع الماضي، انتقدت واشنطن ولندن سلطات المدينة بسبب إعلانها عن مكافأة للقبض على خمسة معارضين يعيشون خارج البلاد. وستتجه أنظار العالم هذا الأسبوع إلى محاكمة إمبراطور الإعلام جيمي لاي في اتهامات تتعلق بالأمن القومي، بعدما اتُّهم بالتواطؤ والتعاون مع قوات أجنبية والتآمر على نشر مواد تحريضية.

تدهور ثقة المستثمرين

تتزايد الضغوط التي يتعرض لها رئيس المدينة التنفيذي من أجل مواجهة تدهور ثقة المستثمرين، وقد كلفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بتعزيز مكانة هونغ كونغ بوصفها مركزاً مالياً عالمياً، عندما قام بزيارة المستعمرة البريطانية السابقة في العام الماضي بمناسبة تولي لي رئاسة المدينة.

في إشارة إلى زيادة القلق في بكين، قام مسؤولون من وزارة المالية في الصين بزيارة للمدينة الأسبوع الماضي لمقابلة مسؤولين في بعض البنوك، من بينها "إتش إس بي سي هولدينغز" و"ستاندرد تشارترد"، لمناقشة وسائل دعم مكانة المدينة كمركز مالي.

قال أندرو سيتون، الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الصيني البريطاني، وهو منظمة تعمل على تنشيط التجارة والاستثمار بين المملكة المتحدة والصين، إن هونغ كونغ "تستطيع أن تبذل جهوداً إضافية حتى تعرض نفسها ومزاياها بوصفها مركزاً للأنشطة التجارية والمالية".

استمرار تدهور أحوال المدينة في العام المقبل سيؤدي على الأرجح إلى زيادة الشكوك في قدرة إدارة لي على الوفاء بمتطلبات مدينة عالمية، وتقويض جهود الرئيس شي لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تحتاجه الصين لدعم اقتصادها المأزوم.

يقول بروك سيلفرز، رئيس شؤون الاستثمار في شركة "كيوان كابيتال" (Kaiyuan Capital) للاستثمار المباشر: "ترغب الصين قطعاً في عودة هونغ كونغ إلى الانتعاش، في وقت تحرص فيه البلاد على إعادة تنشيط تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الداخل. غير أن وتيرة خروج رؤوس الأموال الغربية من الصين تتزايد، فيما يُرجح أن يستمر تراجع أداء الأسهم في هونغ كونغ حتى تعالج بكين مشكلات التعثر والقيود الهيكلية التي تعترض نمو اقتصادها".