"الفيدرالي" سيحدد إيقاع الأسواق أكثر من أي وقت مضى هذا العام

ما يقوله ويفعله البنك المركزي الأميركي سيحدد كيفية أداء الأسهم والسندات في 2024

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Mark Gilbert
Mark Gilbert

Mark Gilbert is a Bloomberg Opinion columnist covering asset management. He previously was the London bureau chief for Bloomberg News. He is also the author of "Complicit: How Greed and Collusion Made the Credit Crisis Unstoppable."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أدى الارتفاع في أسعار المستهلكين الذي دفع التضخم إلى تجاوز أهداف مجلس الاحتياطي الاتحادي في السنوات القليلة الماضية إلى موجة من رفع أسعار الفائدة. ولكن بينما استمات صناع السياسة لإعادة بناء مصداقيتهم كمشرفين على الاستقرار النقدي، هدد حماسهم بوأد النمو وإشعال شرارة البطالة. ومن المتوقع الآن أن يتبع التوقف المؤقت في مسيرة الرفع الطويلة الذي شهدناه في الأشهر القليلة الماضية تخفيف في السياسة النقدية.

وسيوضح ما يلي أن ما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي بعد ذلك سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى في تحديد كيفية تصرف الأسواق المالية في العام الجديد.

لا تحارب "الفيدرالي"

يجب أن تصبح هذه الحقيقة البديهية واضحة لجميع المتداولين ومديري المحافظ. وبعد 11 مرة من زيادة أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية 525 نقطة أساس، تشعر السوق أن الاتجاه بدأ في التحول. ربما يكون التوقيت الدقيق الذي يقرر فيه البنك المركزي الأميركي التيسير النقدي أقل أهمية من سرعة وحجم دورته، ويتوقع متداولو العقود الآجلة تخفيضات سريعة وعميقة.

عندما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي تيسير السياسة النقدية، من المرجح أن يكون التخفيض الأول لأسعار الفائدة كبيراً بما يصل إلى 50 نقطة أساس، وقد يتكرر مقدار خفض هذا الحجم إلى أن يشعر المسؤولون بأن السياسة النقدية لم تعد مقيدة وأنها أكثر تماشياً مع التضخم الأكثر هدوءً.

هبوط "الفيدرالي" السلس يهدد بفقدان بريق أسهم العظماء السبعة

ما أثر خفض أسعار الفائدة على أمواك؟

ومن المرجح أيضاً أن تكون دورة التيسير النقدي المرتقبة أسرع وأقصر من العامين الماضيين اللذين شهدا ارتفاع تكاليف الاقتراض على نحو متزايد. وقد قللت أسواق العقود الآجلة بشكل كبير من تقدير عزم البنك المركزي الأميركي على كبح زيادات أسعار المستهلكين في 2023. لذا فإن الحصول على صورة أوضح عن مستوى أسعار الفائدة الرسمية هو الشغل الشاغل لأسواق الدخل الثابت هذا العام، وسيحدد شكل منحنى العائد (الذي لا يزال في الوقت الحالي مقلوباً، والذي يحدث عندما تكون أسعار الفائدة القصيرة الأجل أعلى من الطويلة). ومن ناحية أخرى، فإن أغلب البنوك المركزية في العالم أسيرة تحركات الاحتياطي الفيدرالي؛ فحيثما تمضي قاطرته، سيتعين على الآخرين أن يتبعوها.

سندات الخزانة تتبع المسار الأكثر مقاومة

في معظم السنوات، كانت التوقعات لسندات الخزانة لأجل 10 سنوات بحلول نهاية ديسمبر مفرطة في التفاؤل؛ إذ ارتفع العائد 100 نقطة أساس فقط في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، مما رفعه إلى 3.9%، وأنقذ المتوقعين لما ستكون عليه 2023 من أن تكون توقعاتهم غير دقيقة إلى حد بعيد.

والتوقعات الحالية هي أن يختتم العائد هذا العام دون تغيير تقريباً عند 3.8%. وهي، على نحو لا يصدق، النسبة نفسها تقريباً التي وصل إليها في ختام 2023 و2022. غير أنه في كثير من الأحيان، يكون المسار وليس الوجهة هو المهم. فقد شهد العام الماضي نطاقاً بلغ 175 نقطة أساس، والعام الذي قبله 285. وعليه، يجب على متداولي الدخل الثابت أن يستعدوا لرحلة مليئة بالمطبات مع تعرض سندات الخزانة لصدمات من غموض موقف البنك المركزي، والانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وما قد تخرجه الجغرافيا السياسية من جعبتها.

السندات تتجاوز حاجزاً مهماً

بعد اقترابها من الصفر في بداية هذا العقد، ارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي إلى عنان السماء العام الماضي، إذ تجاوز متوسط عشر سنوات لدول مجموعة السبع 3% للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان. وبلغت سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، وهي المعيار العالمي، ذروتها عند 5% في أكتوبر، مسجلة زيادة خمسة أضعاف منذ بداية 2021.

وقد أدت مسيرة ارتفاع في الشهرين الماضيين إلى انخفاض العوائد. وباستثناء اليابان، حيث يحدد البنك المركزي مستوى العائد، تحركت الأسواق بشكل متناغم مع بعضها بعضاً. ومن المرجح أن يتغير هذا العام الحالي على ما يبدو، إذ من المتوقع أن تعكس السندات الأوروبية، بما في ذلك السندات الألمانية والبريطانية، مخاطر الركود المتزايدة في حين تنعم ديون الولايات المتحدة بالهبوط الاقتصادي السلس الذي خطط له الاحتياطي الفيدرالي فيما يبدو.

التغريد خارج السرب

بنك اليابان هو الوحيد الذي يصر على أسعار الفائدة السلبية. لكن الوقت ينفد أمام مواصلة ذلك النهج. فعلى الرغم من تبديد المحافظ كازو أويدا الآمال الشهر الماضي في رفع سعر الفائدة البالغة سالب 0.1% في الاجتماع التالي لبنك اليابان في 23 يناير ثاني، فمن المؤكد أن ذلك سيحدث في النصف الأول. فقد الين نحو ثلث قيمته مقابل الدولار على مدى السنوات الثلاث الماضية، مما أثقل كاهل الصناعة اليابانية بارتفاع تكاليف الاستيراد. كما أن سوق السندات الحكومية اليابانية ضعيفة لدرجة أنه تمر أيام لا يجري فيها تداول المؤشر القياسي لأجل 10 سنوات. دفع ذلك أويدا إلى السماح لعائدات السندات بالارتفاع تدريجياً، وأحياناً يحرك زمام الأمور من خلال عمليات إعادة الشراء غير المجدولة، لكن السندات لأجل 10 سنوات تجد صعوبة في الوصول إلى السعر المرجعي الجديد البالغ 1%.

بنك اليابان يتمسك بأسعار الفائدة السلبية دون إشارات للتشديد

أما التضخم الياباني فقد انخفض إلى 3.3% في أكتوبر بعد أن بلغ ذروته عند 4.4%. لكن السياسة النقدية التي ينتهجها بنك اليابان لا تقتصر على منع انكماش الأسعار فحسب؛ وإنما تهدف إعادة الأوضاع الاقتصادية إلى طبيعتها بعد تجميد أسعار الفائدة قرب الصفر على مدى 15 عاماً. وربما يكون التضخم قد عاد إلى الاقتصاد، ولكن لا تزال هناك حاجة ماسة إلى حريات اقتصادية أوسع.

هبوط الطائرة (الاقتصادية) الأميركية

كتبنا قبل عام: "بالنظر إلى مدى سوء حكم حراس الاستقرار النقدي على بيئة ما بعد جائحة كورونا، فإننا نشكك في قدرتهم على إيجاد اقتصاد سليم الأركان". لكن تشاؤمنا كان في غير محله فيما يبدو على الأقل بالنسبة للاقتصاد الأميركي، الأكبر على مستوى العالم.

تُظهر أداة "نيوز ترندز" (News Trends) لدى بلومبرغ، والتي تحصي تكرار الكلمات الرئيسية في المقالات من أكثر من 1500 مصدر، كيف تلاشت الإشارات إلى الركود بشكل مطرد في الأشهر الـ18 الماضية. ومع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 5.2% في الربع الثالث وتباطؤ تضخم أسعار المستهلكين إلى 3.1% في نوفمبر، فإن البنك المركزي الأميركي قد نجح على ما يبدو في تحقيق مبتغاه. دعونا نأمل ألا يستسلم "الطهاة" لإغراء ترك الاقتصاد يُطهى على "غاز" تكاليف الاقتراض المرتفعة لفترة أطول مما ينبغي.

اقتصاد اليورو يعاني

يعاني التصنيع في منطقة اليورو من الركود، ورقعته تتسع. ويتعرض النموذج الصناعي الألماني الذي يحظى بالتقدير لصدمة شاملة، مع ارتفاع تكاليف الطاقة بشدة مع انقطاع القدرة على الوصول إلى الغاز الروسي الرخيص، في الوقت الذي بدأت فيه وجهة صادراته الرئيسية، الصين، تعاني ضعف التعافي عقب الجائحة. ولكن ألمانيا ليست وحدها في ذلك، ففرنسا تمر بانكماش اقتصادي حاد أيضاً، ولا تعاني من مشكلات مماثلة فحسب، وإنما من بعض المتاعب الطويلة الأمد. وخلافاً للحال في الولايات المتحدة، فقد توقفت برامج التحفيز المالي في منطقة اليورو إلى حد بعيد مع تحول التركيز نحو السيطرة على عجز الموازنة.

في ألمانيا، تحول النمو إلى المنطقة السلبية، وكذلك في هولندا، لكن الكتلة بأكملها تعاني من ظروف أشبه بالركود. وبعد أسعار فائدة سلبية على مدى ثماني سنوات، كان تشديد البنك المركزي الأوروبي السياسة النقدية بشدة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية مؤلماً للغاية. فقد تحول المعروض النقدي إلى مستوى سلبي حاد، ويشهد الإقراض المصرفي تراجعاً ممتداً. ونتوقع في ظل ذلك أن يضطر البنك المركزي الأوروبي إلى خفض تكاليف الاقتراض بشدة-بمجرد أن يقنع نفسه بأن ارتفاع التضخم بعد الجائحة قد بات تحت السيطرة.

111491926101120 دولاراً

هذا الرقم -الذي يقارب ما يزيد قليلاً عن 111 تريليون دولار- هو القيمة الحالية لسوق الأسهم العالمية. وقلص ارتفاع السوق 14% العام الماضي انخفاضها 20% في 2022، والذي كان الأسوأ منذ انخفاض 2008 بنسبة 47%. لكن القيمة السوقية للأسهم ما تزال أقل بنحو 10 تريليونات دولار من ذروتها في نوفمبر 2021، مع انخفاض قيمة أسهم الصين 7% في 2023 مما يسهم في منع الأسهم العالمية من استعادة أعلى مستوياتها.

ومع ارتفاع قيمة الأسهم الأميركية بوتيرة قوية، يتوقع عدد متزايد من المحللين المزيد من المكاسب لمؤشر "S&P500" والتي سترفع المؤشر إلى ما فوق 5000 نقطة للمرة الأولى في الأشهر الاثني عشر شهراً المقبلة. ويلوح في الأفق ارتفاع قياسي في القيمة الإجمالية لأسواق الأوراق المالية في العالم.

المبالغة في الحديث عن انتهاء التقلبات

شهد يناير 2022 أعلى مستوى على الإطلاق لمؤشر"S&P500" . ومع الاقتراب من هذا المستوى مرة أخرى، فليس من المستغرب أن يكون مقياس "فيكس" (VIX) للتقلبات عند أدنى مستوياته منذ أواخر 2019، وقرب أدنى مستوى قياسي بلغ 9.5 نقطة في سبتمبر 2017. وتميل تقييمات الأسهم التي تقارب مستويات قياسية إلى التسبب في نطاقات أضيق وبالتالي انخفاض التقلبات. ولكن، مثلما شهدنا أوائل 2020، عندما تعود التقلبات، يمكن أن تعود بشدة، خاصةً إذا كانت الأسهم تعاني من تراجع. ويمكن أن يؤدي صعود مفاجئ في الأسهم إلى نطاق جديد إلى ارتفاع كبير أيضاً في التقلبات.

واعتُبرت التقلبات لفترة قصيرة نجاحاً على نطاق واسع في 2023، لكنه بدا أن ذلك يبدو وكأنه وضع قليل المكاسب كثير الخسائر، كمن يلتقط بنسات أمام مدلحة بخارية. وهناك العديد من المحفزات المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى تقلبات الأسهم، ومنها تضخم أرباح الشركات الأميركية، أو الأخطاء التي يرتكبها واحد أو أكثر من الشركات السبع الكبرى في قطاع التكنولوجيا، أو الذكاء الاصطناعي الذي إما أن يتبين أنه "فجر كاذب" أو يلهم بحملة تنظيمية. على أي حال، ابقَ ذكياً.

استحقاق الائتمان

تراجعت علاوة العائد التي يتعين على الشركات دفعها مقارنة بالديون الحكومية في الأشهر القليلة الماضية. وكان أداء سندات الشركات الأميركية هو الأفضل، مدفوعاً ببرامج التحفيز المالي الجارية، مثل قانون خفض التضخم. لكن التأثير ملحوظ أيضاً في الائتمان بمنطقة اليورو-حتى في الوقت الذي تتأرجح فيه الكتلة على شفا الركود.

واختتمت هوامش الائتمان في الولايات المتحدة العام عند أدنى مستوياتها، مع تراجع نظيراتها في منطقة اليورو لأقل مستوى لها منذ أبريل. ويكمن الخطر في أنه إذا استمرت ظروف الاقتراض المالي في التحسن السريع، فإن البنوك المركزية ستكون أقل ثقة بشأن سياسة التيسير. وهذا يشكل معضلة لديون الشركات؛ فالتخفيضات السريعة في أسعار الفائدة لن تأتي إلا إذا ضعُف النمو بشكل ملحوظ. لكن الركود عادة ما يكون نقطة ضعف لجميع الديون باستثناء الأكثر أماناً. وتتوقع وكالة "ستاندرد اند بورز غلوبال ريتينغز" المزيد من التدهور هذا العام، مع تعرض ما يقرب من 40% من الشركات ذات التصنيف الأدنى لخطر خفض التصنيف. والقطاعات المتعرضة للمستهلكين والعقارات هي الأكثر عرضة للخطر.