هل سيكون 2024 نهاية اقتصاد ما بعد الجائحة؟

لافتة تحمل عبارة "للتوظيف فوراً" خارج مكتب معاملات مالية، في لوس أنجلوس، أميركا
لافتة تحمل عبارة "للتوظيف فوراً" خارج مكتب معاملات مالية، في لوس أنجلوس، أميركا المصدر: غيتي إيمجز
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يتوقع الاقتصاديون هذا التطور النادر، ورغم أخطائهم الأخيرة، قد نكون على أعتاب "الهبوط السلس"؛ حيث تنبئ توقعات الفيدرالي الأمريكي بانخفاض التضخم إلى 2% دون فقدان الكثير من الوظائف أو حدوث تباطؤ اقتصادي.

لكن قبل أن نحتفل بهذا الأداء البارع في السياسة النقدية، أو أن نطمئن أنفسنا بأن البطالة والنمو ليسا حساسين للتضخم أو أسعار الفائدة على أية حال، اسمحوا لي أن أطرح ملاحظتين، إحداهما من الماضي والأخرى للمستقبل. أولاً، كانت السنوات القليلة الماضية غير عادية إلى حد كبير. ثانياً، سيشهد هذا العام نهاية اقتصاد التكلفة الرخيصة.

اتسم اقتصاد ما بعد الجائحة بعدة عوامل غير متوقعة. فقد أدى النقص الناتج عن الجائحة إلى تأجيج التضخم، الذي تفاقم بعد ذلك بسبب السياسات النقدية والمالية التوسعية بلا داعٍ. وبعبارة أخرى، بينما كان الاقتصاد على وشك التعافي، قدم له صناع السياسات الحوافز.

أدت كل هذه الأموال التحفيزية إلى زيادة مدخرات الأسر. وواصلت الأسر ذات المدخرات الوفيرة الإنفاق، وواجهت الشركات التي تحتاج بشدة إلى العمالة سوق عمل ضيقة بصورة تفوق المستوى العادي. في الوقت نفسه، لم يكتفِ بنك الاحتياطي الفيدرالي باتباع أسعار الفائدة الاسمية الصفرية، بل حاول خفض أسعار الفائدة والرهون العقارية طويلة الأجل، وأبلى بلاءً حسناً في ذلك بعد انتهاء الوباء.

فائدة الرهن العقاري تلامس 8% وتضغط على طلب المنازل في أميركا

مكاسب ما بعد الجائحة تتلاشى

كانت النتيجة أنه حتى مع ارتفاع أسعار الفائدة، ظل الاقتصاد متيناً إلى حد ما. وعلى مدار فترة طويلة انخفضت فيها أسعار الفائدة قبل انتهاء الجائحة، ضمن العديد من الشركات والمستثمرين والأسر أسعار فائدة منخفضة. وبالتالي لم يتأثروا نسبياً بارتفاع أسعار الفائدة.

والآن، ونحن نستهلّ عام 2024، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن أميركا قد استهلكت مكاسب ما بعد الجائحة. ولا تمتلك الأسر من أصحاب الدخول المنخفضة الكثير من المدخرات الإضافية، بل إن بعضها يغرق في الديون. تقترب الشركات والمستثمرون المعتمدون على الديون من فترة الاستحقاق، وسيتعين عليهم إعادة التمويل بفائدة أعلى قريباً.

حتى سوق العمل الصامدة قد تكون أضعف مما يبدو. بعد انتهاء الجائحة، كانت الوظائف الشاغرة مرتفعة تاريخياً؛ لأن الشركات كانت بحاجة إلى موظفين، ولم تتمكن من العثور عليهم. تراجعت السوق منذ ذلك الحين، رغم أنها ما تزال مرتفعة مقارنة بمستويات تاريخية؛ مما يشير إلى وجود مجال لهبوط سلس.

الوظائف الشاغرة في أميركا تهبط لأدنى مستوياتها منذ 2021

إلحاق الضرر بالاقتصاد

لكن ربما تكون أرقام الوظائف الشاغرة هذه أقل أهمية مما كانت عليه من قبل. يتوقع الاقتصاديون في بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس أن التكنولوجيا غيّرت العلاقة بين الوظائف الشاغرة وسوق العمل؛ مما يسهل نشر وتعيين وتقييم المتقدمين. لذلك ابتكروا طريقة أكثر ملاءمة لقياس الوظائف الشاغرة. عندما فعلوا ذلك، وجدوا أن الوظائف الشاغرة عادت إلى مستواها القديم. وهم يجادلون بأن ارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يؤجج معدلات البطالة.

إذا مضى "الاحتياطي الفيدرالي" قُدُماً في خططه لخفض أسعار الفائدة في العام الحالي، فربما يتمكن الاقتصاد الأميركي من تجنب التكاليف المرتبطة عادة بانخفاض التضخم. ولكن إذا لم يواصل التضخم الانخفاض، أو ما هو أسوأ من ذلك، إذا بدأ في الارتفاع مرة أخرى فإن "الاحتياطي الفيدرالي" سيواجه تحديات حقيقية. خفض التضخم إلى 2% سيعني إلحاق الضرر بالاقتصاد في عام 2024 وما بعده.

يعد هذا أحد الاستنتاجات التي خلصت إليها الأبحاث التي أجراها جان بويفين، رئيس معهد "بلاك روك انفسمنت" (BlackRock Investment) (وهو أستاذي في كلية الدراسات العليا)، وأليكس برازيير.

على مدى العقود القليلة الماضية، اتسمت التحركات السريعة لـ"الاحتياطي الفيدرالي" بأمرين، إما توسعية أو محايدة، فهو لم يتسبب بشكل مباشر في الركود منذ عقود.

هل ينجو الاقتصاد الأميركي من مطبات 2024؟

صدمات مدفوعة بالطلب

أوشك هذا العصر على النهاية؛ لأن الصدمات الاقتصادية الأخيرة كانت مدفوعة بالطلب غالباً. كانت صدمة العرض الوحيدة انكماشية واستمرت 30 عاماً، واشتهرت أيضاً باسم "صدمة الصين". ظلت الأسعار منخفضة، وكان لدى "الاحتياطي الفيدرالي" مجال كبير لتحفيز الاقتصاد دون الاضطرار إلى مواجهة الاختيار بين التضخم والنمو. لكن في عالم يعاني من شيخوخة السكان، ونطاق أقل لزيادة التجارة، فقد ولّى أيضاً زمن التكلفة الرخيصة لمدة طويلة التي يقدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي. في الواقع، ربما كانت السنوات القليلة الماضية هي آخر فرصة له.

ربما أكون مخطئاً، شأن الكثير من زملائي الاقتصاديين. وقد يتمكن "الاحتياطي الفيدرالي" من خفض أسعار الفائدة من دون إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد، أو سوق العمل؛ قد يحدث بالفعل تباطؤ تام للتضخم، وهو قريب للغاية إلى حد مثير. ومع ذلك، مهما حدث، فإن نهاية المكاسب المتحققة خلال فترة الجائحة ستجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى مسؤولي البنك المركزي. للمرة الأولى في الذاكرة الحديثة، سيُضطر الأشخاص الذين يحاولون إدارة الاقتصاد الأميركي؛ ناهيك عن المجموعة الأكبر منا الذين يشاركون فيه إلى اجتياز بعض حالات التسوية الصعبة.