هل يتعذر توقع الركود في 2024 كالسنوات السابقة؟

تيريزا هوي ترتدي نظارة تحمل شكل "2024" أثناء التقاط صورة فوتوغرافية في احتفالية بالأضواء في "تايمز سكوير"، بتاريخ 20 ديسمبر 2023، بنيويورك، أميركا
تيريزا هوي ترتدي نظارة تحمل شكل "2024" أثناء التقاط صورة فوتوغرافية في احتفالية بالأضواء في "تايمز سكوير"، بتاريخ 20 ديسمبر 2023، بنيويورك، أميركا المصدر: غيتي إيمجز
Betsey Stevenson
Betsey Stevenson

خبيرة اقتصادية وأستاذة الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة ميشيغان

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المعروف أن حدوث الركود أمر يتعذر التنبؤ به. على سبيل المثال، توقع العديد من الخبراء بنهاية عام 2019 حدوث ركود لمجرد أن الانتعاش استمر لفترة طويلة. لكن فترات الانتعاش الاقتصادي لا تندثر مع تقادم الزمن، بل يُقضى عليها بسبب حدث مفاجئ- مثل الجائحة. لذا فإن توقعات عام 2019 كانت صحيحة، ولكن لسبب خاطئ.

هل سنشهد ركوداً هذا العام؟ توقعي الوحيد هو أنه: لن يتمكن أحد من الوصول إلى توقع سليم لأسباب صحيحة. ذلك لأن الإجابة تعتمد على المجهول. هل يتصاعد الصراع العالمي؟ هل ستكون هناك جائحة أخرى؟ هل سترتفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية؟ هل تؤدي كارثة طبيعية إلى عرقلة سلاسل التوريد، أو محو رأس المال الثمين؟

كالعادة، تتجه كل الأنظار نحو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وما سيطرأ على السياسة النقدية. يقدم بنك الاحتياطي الفيدرالي وعداً ومجازفة في آنٍ واحد: فهو يمتلك الأدوات اللازمة لتوجيه الاقتصاد على المسار الصحيح، ولكن لكي يتمكن من ذلك، يتعين عليه أن يتصور تخمينات سليمة بشأن المستقبل.

صندوق النقد: حسم "الفيدرالي" لمسار الفائدة يضمن هبوطاً سلساً للاقتصاد

عبرة من الماضي

فلنتدبر معاً ما توقعه الناس قبل عام. كما أشار زميلي كاتب العمود في "بلومبرغ"، تايلر كوين، في عام 2022، طغت توقعات الركود بالنسبة إلى عام 2023 على نطاق واسع. توقعت الغالبية العظمى من الاقتصاديين ارتفاع معدلات البطالة، أو تفاقم التضخم في الوقت الحالي.

مع ذلك، بلغ متوسط التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي على مدى الأشهر الستة الماضية 1.9% على أساس سنوي. يُعد هذا أقل من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وبلغ معدل البطالة 3.7%.

تمت المهمة التي كانت بعيدة المنال. ويتعين على الأميركيين جميعاً أن يشيدوا بصانعي السياسة النقدية، وعلى رأسهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي تمكن من تخفيف آلام الركود بسبب الجائحة والسيطرة على التضخم بشكل سريع، وقد حدث كل ذلك دون تباطؤ الاقتصاد.

كيف حققوا انكماشاً لا غبار عليه بهذا الشكل؟ تبيّن أن بعضنا كان محقاً عندما زعم إمكانية حدوث هبوط سلس، ولكن التواضع يتطلب الاعتراف بأن جزءاً على الأقل من تراجع التضخم يرجع ببساطة إلى حسن الحظ.

جزء مما تحقق يعود الفضل فيه إلى دقة وجهة نظر بنك الاحتياطي الفيدرالي لعام 2021 بأن جانباً من التضخم كان مؤقتاً. الأمر فقط كان يتطلب الصبر على مدى السنوات القليلة الماضية- وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي على القدر المناسب من هذا الصبر، على الرغم من الضغوط التي واجهها من أجل رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع وأكبر مما يحتاج إليه في نهاية المطاف.

لماذا أخفق اقتصاديون كثر حين توقعوا ركوداً؟

تحدي العرض والطلب

تمثل التحدي في أن الفترة الانتقالية التي تجاوز فيها الطلب العرض استمرت لمدة أطول مما توقعه كثيرون، فقد كانت مدفوعة بصدمة كل من الطلب والعرض. يعود جانب من طول الفترة الانتقالية إلى أن تفضيلات المستهلكين خلال الجائحة، قد تحوّلت من الخدمات إلى الضرورات. (في الواقع، لا يزال بعض هذا التحول مستمراً حتى اليوم). كان تضخم أسعار السلع مستمراً بمعدلات تتجاوز 10% حتى أوائل عام 2022، مما أثار مخاوف من أن معدل زيادات الأسعار لن يتراجع بشكل طبيعي. لكن الطلب والعرض عادا إلى طبيعتهما في أواخر عام 2022، وطوال عام 2023، مما أدى إلى بذل قدر كبير من الجهد من أجل خفض التضخم.

التحسينات في العرض تمثل السبب الرئيسي وراء قدرة الاقتصاد الأميركي على الاستمرار في التوسع بوتيرة سريعة في عام 2023 -أسرع بكثير مما يعتقد معظم الاقتصاديين أنه مستدام- دون تأجيج المزيد من التضخم. لا يقتصر الأمر على عودة سلاسل التوريد إلى وضعها الطبيعي فحسب، بل هناك أيضاً مستويات قياسية من تأسيس الأعمال الجديدة، والتوسع السريع في العمالة المتاحة.

الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة يدعم تحول الفيدرالي لخفض الفائدة

زيادة الاستثمار في التصنيع

يجب أن يعود بعض الفضل في ذلك إلى صانعي السياسات. فعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، زاد الاستثمار في التصنيع إلى مستوى تاريخي، جزئياً منه كان نتيجة التشريعات التي شجعت مثل هذا الاستثمار. عادة ما تؤدي السياسة المالية التوسعية خلال فترة شح العرض إلى تأجيج التضخم، وكان العديد من خبراء الاقتصاد يخشون أن تؤدي هذه السياسات إلى ذلك، ولكن هذه المرة كانت مختلفة.

على مدى العقود القليلة المقبلة، سوف يدرس الباحثون السنوات القليلة الماضية لمعرفة كيف تمكنت الولايات المتحدة، على عكس معظم الدول الأخرى، من الصمود في وجه عاصفة التضخم بشكل قوي. وكيف تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق نمو اقتصادي أعلى من المتوقع، ومعدلات بطالة أقل من التوقعات، ورغم ذلك تمكنت من خفض معدل التضخم إلى 2%؟

في النهاية، سيخلُص الاقتصاديون والباحثون إلى عدد من الإجابات عن هذه الأسئلة. ومع ذلك، أراهن أننا كنا نمتلك التوليفة الصحيحة التي تجمع بين الحظ والمهارة. ربما تعاني الولايات المتحدة من الركود في عام 2024، أو ربما لا. ولكن ما هو واضح الآن، ونحن نستهل العام الجديد، هو أن الأميركيين لديهم السبب الذي يحتفلون من أجله.