دراسة: الناس أكثر انخداعاً بالأخبار المغلوطة بعد البحث عنها

البحث عن الأخبار المضللة يؤدي لدوامات تنطوي على مزيد من المعلومات المضللة

شعار "غوغل" على ألواح زجاجية
شعار "غوغل" على ألواح زجاجية المصدر: غيتي إيمجز
 Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist and host of the podcast "Follow the Science." She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أضحى البحث عن معلومات فورياً وسهلاً، ولا يتطلب الأمر إلا أن تستخدم أقرب جهاز بمتناولك وتسأل المساعد الصوتي "سيري" (Siri) أو تكتب بضعة كلمات. لكن هل ازدادت دقة المعلومات عمّا كانت عليه، قبل أن يصبح "غوغل" أحد أفعال اللغة الإنجليزية، وليس مجرد اسم شيء؟

تشير ورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة "نيتشر" (Nature) إلى أن الحال ليس كذلك. حين عرض الباحثون على متطوعين مزيجاً من الأخبار الحقيقية والزائفة، وجدوا أن الناس باتوا أكثر انخداعاً بالأخبار المغلوطة، بعد أن طُلب منهم أن يبحثوا عنها عبر الإنترنت.

لا ينفي ذلك أهمية محركات البحث، لكن كما هو الحال مع كل أشكال التقنية، فقد تكون هناك عواقب غير مقصودة. عادةً ما يفضي البحث عن الأخبار المضللة إلى دوامات مزيد من المعلومات المغلوطة.

دراسات جديدة

احتوت الورقة البحثية على نتائج عدة دراسات. في بعضها، طُلب من المشاركين أن يُقيّموا الأخبار التي نُشرت خلال اليومين السابقين. وفي إحدى الدراسات، اطّلع المشاركون على أخبار صدرت خلال الأشهر السابقة عن فيروس كورونا، تطرقت إليه من زوايا علمية وسياسية واقتصادية. في بعض الحالات، اختير بعض الأشخاص عشوائياً لتقييم أخبار عبر البحث عنها بأنفسهم أو بخلاف ذلك، وفي حالات أخرى، طُلب من المشاركين ذاتهم أن يُقيّموا أخباراً قبل وبعد البحث عبر الإنترنت.

اقرأ أيضاً: هل تصلح "غوغل" صناعة الأخبار العالمية بعد أن ساعدت على تدميرها؟

كان بإمكان المشاركين تصنيف الأخبار إلى الفئات التالية: حقيقية، أو كاذبة ومضللة، أو لا يمكن تحديد طبيعتها. قبل إجراء أي بحث، صنّف نحو 30% من المشاركين أخباراً مضللة على أنها حقيقية. أدت عملية البحث إلى زيادة قدرها نحو 20% في هذه النسبة، ما يعني أن نحو 36% من المشاركين صنّفوا الأخبار المزيفة على أنها حقيقية بعد أن أجروا بحثاً عبر الإنترنت. وفيما كان للمشاركين حرية اختيار أي محرك بحث، اختارت الأغلبية "غوغل".

قال كيفين أسليت، عالِم الاجتماع في "جامعة سنترال فلوريدا" الذي قاد الدراسة فيما كان يعمل في مركز وسائل الإعلام الاجتماعية والسياسة في "جامعة نيويورك"، إن المشاركين وضعوا قدراً مذهلاً من الثقة في محركات البحث، يفوق ثقتهم بوسائل الإعلام السائدة. كما أن أنصار محو الأمية الإخبارية يشجعون الناس عادةً على استخدام الإنترنت في التحقق من المحتوى الإخباري المشكوك به. لهذا السبب رأى أسليت أن البحث باستخدام الإنترنت يستحق قدراً أكبر من الاهتمام.

قضايا خلافية

تضمنت بعض الأخبار المزيفة موضوعات عن قرب بدء عصر جليدي قصير، وعن القبض على آلاف تعمدوا إشعال حرائق غابات في أستراليا، وعن مشردين في سان فرانسيسكو يتغوطون في ممرات متاجر البقالة، وأخباراً عن أن تجارب مادة "هيدروكسي كلوروكوين" كانت "مصممة لقتل مرضى كورونا".

تشترك كل هذه الأخبار بدرجة تأثيرها الانفعالي، إذ تلامس قضايا شائكة مثل إغلاقات المدارس والشركات بسبب فيروس كورونا، واللقاحات وتعليمات فرضها، واحتجاجات حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter)، والمزاعم بأن منشأ الفيروس كان في مختبر، ومجموعة من تصريحات للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وأخرى عنه.

اقرأ أيضاً: مكافحة المعلومات المضللة عن لقاحات "كوفيد" يجب أن تستمر

أعطت دراسة الطرق التي يستخدمها الناس للبحث عن الإنترنت فكرة لأسليت وزملائه عن سبب انخداع الناس بشكل متزايد. كثيراً ما يستخدم المحتوى الإخباري، الذي سمّاه أسليت مصادر الأخبار الضعيفة، كلمات أو عبارات ترتبط بادعاءات معينة. اتهم أحد الأخبار الكاذبة الرئيس جو بايدن بالتخطيط لمجاعة. إذا استخدم الناس "غوغل" للبحث عن مصطلح "المجاعة المتعمّدة" باللغة الإنجليزية، سيجدون أخباراً أخرى مشكوكاً في أمرها، وذلك لأن مواقع الأخبار السائدة لم تستخدم هذه العبارة.

طرق البحث المختلفة

قال جويل بريكستون، مدير "ستانفورد هيستوري إديوكيشن غروب" (Stanford History Education Group)، إن الناس يُلقنون أساليب سيئة للبحث، إذ يتعلمون أحياناً عن طريق الخطأ أن عليهم الثقة في المواقع التي تنتمي لنطاق "org." مثلاً أو أنهم لا يجدر بهم استخدام "ويكيبيديا".

قارنت بعض أبحاث بريكستون نفسه طرق البحث المختلفة لمدققي الحقائق المتخصصين والأكاديميين والطلاب، ووجدت أن لمدققي الحقائق أفضلية لأنهم يتحققون من مصداقية المصادر بجدية أكبر. قال بريكستون إن الناس ينخدعون عادةً بأسماء بعض المصادر.

اقرأ أيضاً: هوس تصفّح الأخبار السلبية يدمّر إحساسنا بالوقت

على سبيل المثال، اعتقدوا أن معهد سياسات التوظيف مصدر محايد، فيما أن مزيداً من التحقق يكشف أن شركة للعلاقات العامة تديره، وأنها تعمل بالنيابة عن قطاع الأغذية والمشروبات، ولها مصلحة في إبقاء الحد الأدنى للأجور عند مستوى منخفض.

كما كان مدققو الحقائق أميل إلى فحص النتائج التي يظهرها محرك البحث قبل اختيار الأخبار التي سيطلعون عليها، فيما ركز آخرون في أبحاث بريكستون أغلب اهتمامهم على المصادر التي وضعتها خوارزمية محرك البحث في أعلى الصفحة أياً كانت، مفترضين أنها المصادر الأعلى جودة من دون تفكير بكيفية عمل الخوارزميات.

محاذير أخرى

أحد المحاذير هو أن حتى مدققي الحقائق لا يتفقون دوماً. ثبتت صحة ذلك الأمر أيضاً في الورقة البحثية المنشورة في "نيتشر"، حيث تحرى ستة من مدققي الحقائق دقة كل الأخبار. كانت الأخبار التي اختلفت آراء مدققي الحقائق فيها، هي الأخبار ذاتها التي أبعدت فيها عملية البحث الناس عن رأي الأغلبية.

تضمنت تلك الفئة أخباراً بعناوين مثل "مسؤول ألماني يسرّب تقريراً يعتبر فيروس كورونا إنذاراً كاذباً عالمياً" و"المحافظ اليساري كوبر يلغي اجتماع المؤتمر الوطني الجمهوري في مدينة شارلوت بسبب فيروس كورونا ثم يشارك في مسيرة مع حشد يساري" و"مجموعة مدافعة عن الحرية الدينية تحذر من أن التطعيمات الإجبارية ستتحكم في حياتك". تضمنت كل الأخبار مواد مثيرة للجدل وبعض الأحكام غير الموضوعية التي تقع خارج نطاق الحقائق الملموسة.

إن ما يجعل أي خبر يتمتع بالمصداقية أمر معقد. إذ إن الصحفيين ملزمون بتفسير ما يعرفون، وأن يوضحوا كيف يعرفونه، كما أن عليهم أن يبينوا ما يتسم بعدم اليقين. هذه الدراسة الجديدة تذكِرة جيدة بأن فكرة أن يتوصل أي شخص للحقيقة ببضع نقرات فقط سهلة بدرجة تجعلها غير واقعية.