هل كان "تأثير يناير" محركاً لمخالفة تقرير التضخم الأميركي للتوقعات؟

أشخاص يتسوقون داخل متجر للأدوات المنزلية في بروكلين بتاريخ 25 يناير 2024 بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية
أشخاص يتسوقون داخل متجر للأدوات المنزلية في بروكلين بتاريخ 25 يناير 2024 بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية المصدر: بلومبرغ
Jonathan Levin
Jonathan Levin

Jonathan Levin has worked as a Bloomberg journalist in Latin America and the U.S., covering finance, markets and M&A. Most recently, he has served as the company's Miami bureau chief. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما تزال تخفيضات أسعار الفائدة تلوح بالأفق في الولايات المتحدة الأميركية، لكنك قد لا تعتقد ذلك مع الطريقة التي تُباع بها السندات بعد صدور تقرير التضخم الثلاثاء.

أشارت أحدث بيانات مؤشر أسعار المستهلكين إلى أن الأسعار الأساسية -عدا الغذاء والطاقة المتقلبين- صعدت 0.4% خلال يناير، بالمقارنة مع الشهر السابق، متخطية التوقعات الوسطى لخبراء الاقتصاد. بلغت عائدات سندات لأجل 10 أعوام أعلى مستوياتها منذ نوفمبر الماضي.

جاء صدور التقرير في توقيت سيئ بشدة، وذلك بعد فترة وجيزة من إعلان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول أنه يحتاج لرؤية أدلة أكثر على تراجع التضخم في الولايات المتحدة للبدء في تخفيض أسعار الفائدة الأساسية.

ومن المؤكد أن التقرير ليس -ظاهرياً- من هذا النوع من الأدلة المطلوبة. واقعياً، يوجد احتمال أن يكون "تأثير يناير" وإحصاءات الإسكان الغريبة هي المحرك وراء مخالفة النتائج للتوقعات. ما يزال هناك متسع من الوقت لتحسن البيانات بطريقة تجعل بنك الاحتياطي الفيدرالي يخفض بأريحية أسعار الفائدة خلال مايو المقبل.

دعونا نبدأ بالزيادة الموسمية.

"تأثير يناير"

يوجد سبب للاعتقاد بأن الشركات تستغل أحياناً بداية السنة لرفع الأسعار. يشبه ذلك ما نفعله في حياتنا الشخصية. كان العديد من أصحاب الأعمال يقيّمون إنجازات وتحديات السنة المنصرمة، حيث ينظرون إلى 2023 -وتجربة التضخم خلال الأعوام الثلاثة الماضية- ويتساءلون عما إذا كان بإمكانهم زيادة هوامش الربح التي ربما تكون قد تراجعت جراء ضغوط الأجور، وغيرها من الضغوط المرتبطة بالتكلفة. بصورة جلية، إنهم يدركون أن التضخم يتراجع، لكنهم ربما قرروا محاولة تمرير زيادة أخيرة في الأسعار للمستهلكين.

اقرأ أيضاً: تسارع التضخم يحطم آمال وول ستريت في خفض الفائدة قريباً

وصف بنك "غولدمان ساكس" -إحدى المؤسسات القليلة التي توقعت بطريقة صحيحة زيادة 0.4% للأسعار الأساسية- هذا الارتفاع بأنه "تأثير يناير"، وذلك في مذكرة للعملاء الاثنين.

نستعرض في ما يلي مقتطف من مذكرة مانويل أبيكاسيس وسبنسر هيل:

نتوقع زيادة مؤقتة لمؤشر أسعار المستهلكين الأساسي جراء ارتفاعات أسعار بداية العام التي وصفناها بـ"تأثير يناير".

نظراً لصعود التضخم السنة الماضية، من المرجح أن تفرض الشركات زيادات أكبر للأسعار عند إعادة ضبط أسعارها مقارنة بما كانت عليه عندما كان التضخم أقل، ما يجعل العوامل الموسمية تحد من تقدير التضخم في بداية العام، عندما تكون عملية إعادة ضبط الأسعار أكثر شيوعاً.

نظرياً، ينبغي أن تعوض عملية إعادة الضبط موسمية من مكتب إحصاءات العمل هذه الأنماط الشهرية، لكن الاقتصاد إبان حقبة وباء كورونا أحدث فوضى في التعديلات الموسمية، وهناك الكثير من عمليات رفع أسعار "التعويضية" تجري حالياً، أكثر مما كان شائعاً قبل صعود معدلات التضخم خلال 2021.

ربما يسهم ذلك بتفسير بعض القفزات المفاجئة للأسعار على أساس شهري في فئات من بينها خدمات الرعاية الصحية (تمثل 6.5% من سلة مؤشر أسعار المستهلكين) وفئات الخدمة الشخصية المتنوعة على غرار قص الشعر والتنظيف الجاف. إذا تراجع قريباً، فسندرك أنها كانت ارتفاعات وهمية.

"المسكن"

كان العامل المهم الآخر هو المسكن. ولكن يوجد جانب إيجابي هناك أيضاً. على صعيد مؤشرات التضخم، تحاول الحكومة قياس تكاليف الإسكان للجميع. عملياً، ترتفع سلة الإسكان بمؤشر أسعار المستهلكين بصورة أبطأ كثيراً من سوق الإيجارات وأسعار المنازل، لأنه نادراً ما تجري عمليات إعادة ضبط لغالبية إيجارات الأشخاص.

هبط تضخم الإيجارات القائم على السوق بطريقة كبيرة منذ أوائل 2022، لذلك ما يزال من المنطقي للغاية توقع أن فئة "إيجار السكن الرئيسي" لمؤشر أسعار المستهلكين ستتراجع أيضاً.

اقرأ أيضاً: أبرز 5 استنتاجات من تقرير التضخم الأميركي في يناير

تعتبر تكلفة المسكن لأصحاب المنازل تحدياً آخر كاملاً من الناحية المنهجية، ويحاول مكتب إحصاءات العمل التعبير عنها عن طريق مفهوم يسمى إيجار الملاك المكافئ.

يعتمد هذا المفهوم غالباً على إيجارات منازل مشابهة، وتزداد ببطء شديد، لذلك فهو مشابه للغاية لـ"إيجار السكن الرئيسي". الاختلاف الأساسي هو أن مكتب إحصاءات العمل يستطلع أيضاً رأي أصحاب المنازل حول القيمة الإيجارية المستحقة لمنازلهم بحسب اعتقادهم، باستخدام هذه المعلومات للمساعدة في تقييم إيجار الملاك المكافئ.

لكن الأمر غير المعتاد بشدة هو أن إيجار الملاك المكافئ تضخم وفق البيانات الأخيرة بسرعة أكبر من فئة "إيجار المسكن الرئيسي". لا أملك تفسيراً عظيماً لسبب ذلك، وأنا على استعداد للرهان على أن الأمر يعود غالباً لضوضاء وصدور إشارة محدودة للغاية.

الخلاصة أن نقاط البيانات تؤثر بطرق غامضة على أساس شهري، لكن ما يزال جلياً إلى حد ما أن هناك تضخم أكثر لتكلفة الإسكان في الطريق.

نفقات الاستهلاك الشخصي

بنظرة واسعة، من المحتمل ألا يكون أي من هذا مؤثراً. ينزع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى التركيز على انكماش نفقات الاستهلاك الشخصي عند ضبط السياسة المالية، والفئتان الأكثر إثارة للقلق في مؤشر أسعار المستهلكين ليناير الماضي -الإسكان والخدمات الطبية - تضران بنفقات الاستهلاك الشخصي بطريقة مختلف.

يتوقع خبراء اقتصاد في بنك "مورغان ستانلي"، بقيادة إلين زينتنر، أنه بعد تعديل أرقام مؤشر أسعار المستهلك بحسب وزن عناصره واختلافات المفاهيم في نفقات الاستهلاك الشخصي، أن يبلغ معدل نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 0.29% وهي نسبة قابلة للتحكم.

تكمن المشكلة في أن سوق السندات أخذت بالحسبان تقديرات لسلسلة بيانات لا تشوبها شائبة لن تتحقق مطلقاً. بوقت سابق من العام الحالي، كانت أسواق العقود المستقبلية توحي ضمنياً بأن 2024 ستشهد 6 عمليات تخفيض لأسعار الفائدة تقريباً.

عملياً، تزخر بيانات التضخم من شهر لآخر بالغرائب، وغالباً ما كان حتمياً أن تثير بعض التقارير حيرة صناع السياسات المالية. ما زلت أعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيحصل على ما يكفيه من أدلة عن طريق تقارير التضخم التالية قبل أن يبدأ تخفيض أسعار الفائدة في اجتماعه المقرر مايو المقبل. ولكن حتى ذلك التوقيت، فإن التقلب الكامن في البيانات يعني أن دورة التيسير النقدي ربما تكون بطيئة.