أميركا تتجنب فرض العقوبات "الأقسى" على روسيا

واشنطن تتجنب عقوبات أشد على قطاع الطاقة والنفط الروسي وحرمان موسكو من الوصول للنظام المالي العالمي

مشاة يسيرون بجوار كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو، روسيا
مشاة يسيرون بجوار كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو، روسيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إظهار عزمه على الوقوف بوجه روسيا بإعلانه عن عقوبات جديدة أمس الجمعة، لكنها لم تتجاوز الحد وسط مخاوف من أن تعرقل الإجراءات الأكثر صرامة المتبقية في الترسانة الأميركية عجلة الاقتصاد العالمي.

وكانت قائمة من 200 صفحة من أهداف مقرها في روسيا والإمارات والصين ودول أخرى بمثابة أكبر حزمة من العقوبات المالية في يوم واحد منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل عامين. غير أنه من الجدير بالملاحظة أيضاً غياب شركات وقطاعات من القائمة الموسعة: قطاع المعادن، والمزيد من العقوبات المتعلقة بالطاقة، والعقوبات الثانوية على البنوك.

خوف على الاقتصاد الأميركي

يعكس هذا الحذر إلى أي مدى لا يزال فريق بايدن غير راغب في ملاحقة مصادر الإيرادات التي يقول الخبراء إنها ستشل الاقتصاد الروسي رغم كل حديثه عن العقوبات، وذلك خوفاً من إثارة صدمات واسعة النطاق يمكن أن ترتد على الاقتصاد الأميركي.

الأهداف المحتملة لنهج أشد قد تستهدف البنوك الأجنبية التي تساعد روسيا على شراء التكنولوجيا والمواد التي تحتاجها لمواصلة الحرب، فضلاً عن تجارة اليورانيوم المخصب والمعادن مثل الألومنيوم والنيكل. ومن الممكن أيضاً أن تستولي الولايات المتحدة على الأصول السيادية الروسية المجمدة وتوزعها. وتنطوي كل هذه التدابير على مخاطر كبيرة.

الولايات المتحدة تخطط لفرض أكبر حزمة عقوبات على روسيا

قال كيم دونوفان، المسؤول السابق في وزارة الخزانة ومدير مبادرة فن الإدارة الاقتصادية في المجلس الأطلسي: "للتأثير فعلياً على روسيا، سيتعين اتخاذ المزيد من الإجراءات الاستراتيجية التي قد تكون لها آثار ضارة على الاقتصاد العالمي الأوسع. سيتعين البدء في اتخاذ قرارات أصعب وقبول ما يصاحبها من تأثيرات".

وفي الواقع، كانت قائمة يوم الجمعة مليئة بأسماء الأشخاص والكيانات الخاضعة بالفعل لعقوبات، أو من لها روابط محدودة بالنظام المالي الأميركي، مما يقلل من تأثيرها. وشملت القائمة مدير السجن الذي توفي فيه المعارض الروسي أليكسي نافالني هذا الشهر، ونائب مدير مصلحة السجون الفيدرالية. كما استُهدفت شركة بناء السفن الروسية التي ساعدت في إنتاج 15 ناقلة للغاز الطبيعي المسال.

الأسلحة أهم ما تريده أوكرانيا

من ناحية أخرى، لا يزال الإجراء الذي تريده أوكرانيا حقاً غائباً: الموافقة على توفير أسلحة وذخائر جديدة بقيمة 60 مليار دولار. وطلب بايدن لهذه الأموال عالق في مجلس النواب.

والأوكرانيون مؤيدون لذلك فيما يبدو. وقال ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس فولوديمير زيلينسكي، إن الإجراء الغربي الوحيد الذي من شأنه أن يخيف الرئيس فلاديمير بوتين حقاً هو توفير المزيد من الأسلحة.

وأضاف في منشور على موقع "إكس"، "تويتر" سابقاً: "الكثير من الأسلحة.. كمية كبيرة حقاً من الأسلحة لأوكرانيا. أسلحة بعيدة المدى، مضادة للصواريخ، ومضادة للعتاد البحري. والباقي مجرد خيال، وعي متأخر بحقيقة الوضع، وإطالة أمد الحرب، ووهم خطير بأنه من الممكن الاكتفاء "بالمتابعة من بعيد".

أميركا تعاقب شركة شحن عملاقة للضغط على مبيعات النفط الروسية

العقوبات تأتي في وقت محفوف بالمخاطر بالنسبة للحكومة الأوكرانية. فقد فشل الهجوم المضاد الذي بدأته العام الماضي في إحداث تغيير ملموس لخطوط المعركة. كما استولى الجيش الروسي في الآونة الأخيرة على أفدييفكا، وهي هزيمة رمزية مريرة. وفي الوقت نفسه، يستمر تردد واشنطن بشأن المساعدات الإضافية، مع تعثر حزمة الإنفاق التكميلية التي أقرها مجلس الشيوخ في مجلس النواب.

يزور زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر كييف مطلع هذا الأسبوع لطمأنة الأوكرانيين بأن شيئاً ما سيُفعل، لكن الكونغرس لديه جدول أعمال ممتلئ خلال الأسابيع القليلة المقبلة تخيم عليه معركة إغلاق الحكومة التي تلوح في الأفق. ولم تساعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 في تحسين الأمور، إذ وصف بايدن المساعدات لأوكرانيا بأنها ضرورية للحماية من انتشار الاستبداد، بينما عارضها الرئيس السابق دونالد ترمب باعتبارها تتعارض مع برنامجه "أميركا أولاً".

اقتصاد روسيا ينمو رغم العقوبات

أما بالنسبة للاقتصاد الروسي، فهو مستمر في النمو رغم العقوبات.

كتب ألكسندر إيساكوف، المحلل المختص بالاقتصاد الروسي لدى "بلومبرغ إيكونوميكس، في مذكرة: "الإعلانات الأخيرة لا تمثل سوى تشديد تدريجي لنظام العقوبات، وما زلنا نقدّر أن الاقتصاد الروسي سينمو بنحو 1% إلى 1.5% في 2024".

ومما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن روسيا لديها شركاء في الصين والبرازيل ودول أخرى يواصلون شراء نفطها وشحن إمداداتها. وفي حين أن هذه البلدان لا تزال تشكل أقل من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإنها تمثل حصة متزايدة، بحسب "بلومبرغ إيكونوميكس".

عامان على الحرب.. الأثر الاقتصادي على روسيا وأوكرانيا في رسوم بيانية

من جهته، قال إيدي فيشمان، الباحث الأول بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: "الغرب ليس مستعداً تماماً فيما يبدو لفرض ذلك النوع من العقوبات الذي من شأنه أن يحدث تأثيراً كبيراً على الاقتصاد الروسي. أي استهداف عوائدها من الطاقة والنفط بعقوبات قوية، وفرض عقوبات ثانوية على البنوك التي تساعد روسيا في الوصول إلى النظام المالي العالمي".

وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنه سيكون هناك المزيد من العقوبات في المستقبل. وفي مقابلة مع "تلفزيون بلومبرغ" يوم الجمعة، قال نائب وزير الخزانة والي أدييمو إن الولايات المتحدة تستكشف خيارات لاستخدام أصول تابعة للدولة الروسية قيمتها 300 مليار دولار للمساعدة في دفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا.

وأضاف أدييمو: "نبحث عن طرق للإفراج عن القيمة الاقتصادية لتلك الاحتياطيات للشعب الأوكراني".