"المركزي" الأسترالي يستبعد وقف التضخم حتي لا يعرقل تعافي الاقتصاد

أستراليا تتجه إلى سحب برامج التحفيز المرتبطة بتداعيات كورونا على الاقتصاد
أستراليا تتجه إلى سحب برامج التحفيز المرتبطة بتداعيات كورونا على الاقتصاد المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

محاولة جيدة.. التضخم مازال أمامه عملاً كي ينجزه. رغم أن زيادة أسعار الفائدة في أستراليا لم تعد بعيدة إلى حدّ اعتبارها زيادة نظرية تقريباً، سوف تستمر النقود الرخيصة نسبياً سمة من سمات الاقتصاد في المستقبل المنظور.

لايبدو أن البنك المركزي مستعد للمخاطرة بعرقلة تعافي الاقتصاد عبر شن حملة هجومية ضد زيادة الأسعار، رغم اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة.

بدأ بنك الاحتياطي الأسترالي ببطء في سحب بعض برامج التحفيز التي انهمرت على الاقتصاد مع انتشار فيروس كوفيد-19 في مختلف أنحاء العالم في أوائل عام 2020.

طالع أيضاً: أستراليا تخطو بحذر للخروج نهائياً من المحفزات المالية

البنك قال اليوم الثلاثاء إنه سوف يتخلى عن هدف الحفاظ على عائد سندات الحكومة استحقاق 3 سنوات عند مستوى 0.1%.

اقرأ المزيد: أستراليا تتمسك بخطة خفض مشتريات السندات

عائدات السندات الحكومية

التيسير الكمي

لن يغير البنك المركزي في محورين آخرين للسياسة التي تبناها في مواجهة أزمة فيروس كورونا، وهما محور التيسير الكمي، وسعر الفائدة الرئيسي الذي يقترب من 0%.

استجاب حاكم البنك، فيليب لوي، لمخاوف المستثمرين إزاء الزيادة الأخيرة في معدل التضخم عبر الإشارة إلى أنه منفتح على رفع تكاليف الاقتراض في وقت مبكر عن عام 2024، الذي ورد في توجيه سابق.

ربما لن يكون التوقيت مبكراً بشكل دراماتيكي رغم ذلك، إذ أكد لوي أن بنك الاحتياطي الأسترالي سوف يتحلى بالصبر، متوقعاً مزيد من ارتفاع معدل التضخم الأساسي، ولكن بصورة تدريجية.

بدأ استخدام مستهدف العائد على السندات مبكراً عند انتشار الجائحة ضمن مجموعة كبيرة من الإجراءات الأخرى التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق ووضع حدّ لأول ركود اقتصادي في البلاد منذ عقود. غير أنه بدأ يتسبب في متاعب أكثر مما يستحق.

طالع أيضاً: المركزي الأسترالي يخفض الفائدة ويشتري سندات بـ70 مليار دولار

ارتفاع التضخم

مع ارتفاع مستوى التضخم على مستوى العالم وزيادة الأسعار في الأسواق المحلية، يختبر المتعاملون الآن مدى إصرار بنك الاحتياطي الأسترالي على الدفاع عن هذا العائد المستهدف.

قال لوي في بيانه: "في ضوء تحرك أسعار الفائدة في الأسواق الأخرى استجابة لزيادة احتمال ارتفاع مستوى التضخم وانخفاض مستوى البطالة، تقلصت فاعلية مستهدف العائد في الحفاظ على انخفاض المستوى العام لأسعار الفائدة في أستراليا".

كان الإجراء المتعلق بالعائد هو الأسهل في إزالته من بين الإجراءات التي استخدمها البنك في عملية الاحتواء القصوى. وإذا كان لازماً أن يلقي عظمة إلى الأسواق حتى تهدأ، فسوف يتخلى عن مستهدف العائد.

أما إلغاء سياسة التيسير الكمي وزيادة سعر الفائدة الأساسي، وهو مالم يحدث منذ عام 2021، فهي أمور أصعب كثيراً وتترتب عليها تداعيات أكثر.


انتعاش النشاط الاقتصادي

جانب من الأزمة القائمة بين البنك والمستثمرين يعكس انتعاش النشاط الاقتصادي في الداخل. فبعد انخفاض متوقع في إجمالي الناتج المحلي خلال ربع السنة الماضي، تنتظر الشركات والمستهلكون تحسناً في الأوضاع في الفترة القادمة.

تخرج مدينتا سيدني وملبورن من أطول فترة إغلاق تشهدها المدن على مستوى العالم: البارات تمتلئ بروادها، ولم يعد تناول القهوة في المنزل هو الوضع العادي، والطلاب يعودون إلى المدارس، والعمال إلى مكاتبهم. كانت أمي البالغة من العمر 77 عاماً في سعادة بالغة، عندما خرجت كي تصفف شعرها.

ما تبقى من قلق بشأن أسعار الفائدة ينبغي أن يفهم في السياق العالمي. فمن المرجح أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في سحب سياسة التيسير الكمي تدريجياً يوم الأربعاء القادم، كما أن بنك إنجلترا يبدو مستعداً لرفع سعر الفائدة مبكراً خلال الأسبوع الحالي.

يجتهد البنك المركزي الأوروبي في محاولة إقناع الأسواق بأنه يهدف إلى الحفاظ على تكاليف الاقتراض عند مستوى منخفض للغاية. إن وضع جذور رفع أسعار الفائدة سهل في الأوضاع الحالية.

تتردد أستراليا في أن تستسلم تماماً. تأخر بنك الاحتياطي الأسترالي في تبني سياسة التيسير الكمي وتخفيض أسعار الفائدة إلى حدود دنيا. فلم يذهب إلى هذا الحد أثناء الأزمة المالية العالمية؛ وتحدث المثقفون المحليون عن هذه الفكرة بازدراء.

طالع أيضاً: تسارع التضخم في أستراليا بأسرع وتيرة منذ عام 2008

لا تتعجل مغادرة الحلبة

في ضوء انضمامها إلى نادي التيسير الكمي متأخراً، لا تتعجل أستراليا مغادرة الحلبة، خلافاً لينوزيلندا التي ترفع أسعار الفائدة وكندا، حيث أعلن مسؤولون خلال الأسبوع الماضي أنهم سوف يتوقفون عن شراء السندات.

هذا لأن جائحة كورونا لم تمثل إلا نقطة التحول في الميزان؛ فقد كان المسؤولون في أستراليا يشعرون بقلق إزاء الانخفاض الشديد في معدل التضخم قبل انتشار كوفيد-19 على الأقل بعامٍ كامل، ووضعوا سيناريوهات لتطبيق السياسة التي تعرف حتى الآن بالسياسة غير التقليدية.

في عام 2017، وصفت جانيت يلين، التي كانت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، ضعف معدل التضخم بأنه "أسطورة". ولبنك الاحتياطي الأسترالي نصيبه من التمحيص، ففي العام الماضي، بدأ البنك يقول إنه لم يعد راضياً عن توقعات ارتفاع التضخم. وكان ينتظر الزيادة الحقيقية في التضخم، لا بالمعدلات القديمة فقط، وإنما يجب أن تكون زيادة الأسعار كبيرة – لا ضئيلة ولا متقطعة على فترات – في نطاق مستهدف البنك الذي يتحرك بين 2% و3%.

اقرأ أيضاً: إنفاق الأسر يُنعش اقتصاد أستراليا في 2021

أسعار المستهلك

قال لوي لأعضاء البرلمان في أغسطس الماضي أنه لا يكفي بالنسبة لأسعار المستهلك "أن تتسلل فقط وراء الخط المحدد"، وهي اللهجة التي كررها خلال كلمة رئيسية له في الشهر التالي.

لا يكفي أن يسجل معدل التضخم 2.1% أو 2.2% حتى نقول إن "المهمة اكتملت"، وفق حديث حاكم البنك المركزي أمام اللجنة الاقتصادية لمجلس النواب.

لذلك، لا يجب أن نندهش من أن البنك المركزي لا يجزع بسبب ارتفاع التضخم خلال ربع السنة الماضي إلى – كما خمنت بالضبط – 2.1%. بداية جيدة إذن، وتستحق التقدير، لكنها لا تبرر ثورة في السياسة النقدية.

أمام لوي فنجان قهوة على مكتبه يقول إنه "نصف ممتليء". ولأول مرة منذ فترة، شعوره بالتفاؤل له ما يبرره. لكن بدون مبالغة – اترك مجالاً لإضافة بعض اللبن وربما أيضاً قليلاً من السكر.