حرب بوتين تمنح الغرب فرصةً لـ"تنظيف الأموال القذرة"

المصدر: أ.ف.ب
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اتُّهم نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفساد لسنوات عدة، من قبل ناشطين وصحفيين استقصائيين. وأقرّت وزارة الخزانة الأمريكية بذلك رسمياً يوم الإثنين، واصفة نظام بوتين مباشرة بأنه حكم "كليبتوقراطي"، وهو حكم الفاسدين الذين يستغلون السلطة للاستيلاء على ثروة شعوبهم.

وفّر بوتين لكل من الولايات المتحدة وحلفائها، الفرصة المثالية للقضاء على الممارسات المتراخية والثغرات التي تسهّل الفساد وتسمح للأموال القذرة بالانتشار في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى. تعهد الرئيس جو بايدن بأن إدارته ستكافح غسيل الأموال والتهرب الضريبي من قبل الفاسدين والمجرمين، بدءاً من الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يسعى لعزل سبعة بنوك روسية عن "سويفت"

استدعى الغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا رداً قاسياً وسريعاً من القوى العالمية لمحاولة قطع التمويل عن جهود بوتين الحربية. الآن، حان الوقت أيضاً لضرب أموال النظام الغامضة في الخارج.

قال سوني كابور، الخبير المالي والمصرفي، ومدير المؤسسة الفكرية "معهد الشمال للتمويل والتكنولوجية والاستدامة": "قبل ذلك، لم يكن بإمكانهم ملاحقة بوتين من دون المخاطرة باستفزازه. يمكنهم الآن تجميد ومصادرة وإعادة الأصول من بوتين ودائرته الداخلية مباشرة".

اقرأ المزيد: أزمة تختمر على جبهة بوتين الداخلية

لقد تمّ حثّ بريطانيا بالفعل على طرح قانون الجرائم الاقتصادية المتأخر، والمُصمّم لفضح الملاك الحقيقيين للعقارات، والتصدي لغسيل الأموال عبر لندن، التي تقدّر الوكالة الوطنية للجريمة بأنها تكلف بريطانيا أكثر من 100 مليار جنيه إسترليني (134 مليار دولار) سنوياً. كما يجب الضغط على سويسرا وسلسلة الملاذات الضريبية العالمية والسلطات القضائية السرية، بما في ذلك تلك الخاضعة لحماية بريطانيا، للانضمام إلى القضية. وعلى الصعيد العالمي، يبلغ حجم الأموال غير المشروعة التي يتم غسلها في النظام المالي ما بين 2-5% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يصل إلى 2 تريليون دولار، وفقاً للأمم المتحدة.

صناديق الفساد

منع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية يوم الإثنين، أي مواطن أو شركة أمريكية من التعامل مع البنك المركزي الروسي وصناديق الثروة الروسية ووزارة المالية. ووصف المكتب في بيانه أحد التجمعات السيادية، وهو صندوق الاستثمار المباشر الروسي، بأنه "صندوق الأموال غير المشروعة" لبوتين، و"رمز للحكم الكليبتوقراطي الأوسع في روسيا".

ووفقاً للنص الذي نشره البيت الأبيض في إيجاز حول خلفية الموضوع، قال مسؤول كبير في الإدارة: "هذا الصندوق وقيادته هما رمزان للفساد الروسي المتجذّر وانتشار النفوذ عالمياً. قد يعلم البعض منكم أنه منبثق عن ’في إي بي’ (VEB)، وهو بنك بوتين لصناديق الأموال غير المشروعة الذي حظرناه بالكامل الأسبوع الماضي. ومن المعروف أنه مرتبط بشكل وثيق بحكم الكليبتوقراطية على أعلى المستويات في الحكومة الروسية".

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كان هناك شيء من هذا القبيل يتشكّل منذ فترة. تعهّد بايدن بمنع القادة الفاسدين والمجرمين من استخدام النظام المالي الأمريكي لغسل الأموال والتهرب من الضرائب، وفي شهر ديسمبر الماضي، أطلقت وزارة الخزانة صندوقاً لحكم السرقة (الكليبوقراطية) من أجل مكافأة المخبرين الذين ساعدوا في تحديد الأصول. كما أقرت الولايات المتحدة بالفعل، قانون شفافية الشركات لتعزيز معايير تسجيل الشركات في نهاية ولاية الرئيس دونالد ترمب.

تهديد الأمن القومي

قال أوليفر بولوغ، المؤلف والخبير في مجال غسيل الأموال: "يبدو أنه كان هناك اعتراف من الحزبين في الولايات المتحدة، بأن التدفقات المالية الغامضة تشكل تهديداً لمصالح الأمن القومي".

ظل نظام بوتين متهماً لسنوات باختلاس الأموال من قبل مستثمرين، من أمثال وليام براودر الأمريكي المولد، وأباطرة منفيين من أمثال ميخائيل خودوركوفسكي. تم الكشف عن تفاصيل الأفراد والشركات المرتبطين بغسل الأموال والفساد من قبل الصحفيين الاستقصائيين لدى مجموعات من أمثال "مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد" (Organized Crime and Corruption Reporting Project) والصحف الوطنية. وحاولت كتب مثل كتاب "رجال بوتين" (Putin’s People) من تأليف كاثرين بيلتون، الكشف عن كيفية استخدام الأموال الروسية الخارجية في تمويل عمليات خارجية سرية، لمساعدة حلفاء روسيا وتقويض أعدائها.

عزل روسيا مالياً

انضمت سلسلة من الدول إلى محاولات الضغط على روسيا وعزلها مالياً من خلال العقوبات. في الخطوة الأخيرة، وافقت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى كندا واليابان، على تجميد معظم أصول البنك المركزي الروسي البالغة 643 مليار دولار من العملات الأجنبية.

كما وافقت سويسرا الأسبوع الماضي على متابعة عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد الأفراد والشركات وبعض البنوك، بما في ذلك معاقبة بوتين ورئيس وزرائه ووزير خارجيته. ليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها البنوك السويسرية بتجميد أصول الأشخاص الخاضعين للعقوبات الأمريكية، ولكن الدولة لا تزال تحافظ على استقلاليتها الجيوسياسية وعلى سريتها المصرفية.

هناك فكرة رومانسية في الخدمات المصرفية التي تقدمها سويسرا، مفادها أن هذه الخصوصية تحمي الأفراد الطيبين من المخاطر في بلادهم. ولكن يبدو أن هذا الأمر قد عفا عليه الزمن بشكل كبير، مع ظهور المزيد من الفضائح حول إيوائها أموال رجال سياسة سيئين بحق شعوبهم.

بريطانيا.. الملاذ

يجب على بريطانيا أن تفعل المزيد. يعتبر مشروع قانون الحكومة للجرائم الاقتصادية يعتبر بمثابة خطوة إلى الأمام، لكن منتقديه يخشون ألا يذهب هذا المشروع بعيداً بما فيه الكفاية. وقال بولوغ إنه سيحقق أخيراً الشفافية في سوق الإسكان الممتاز المملوك من قبل جهات خارجية في بريطانيا، والذي يفضله قلة منذ فترة طويلة لإخفاء أموالهم. لكن الحكومة لم تقم بتنظيف سجل الشركات في بريطانيا، حيث لا يزال من الممكن إنشاء شركات وهمية بمالكين مجهولين، بتكلفة متواضعة.

أضاف بولوغ: "من الواضح أن بريطانيا لم تنضم بعد إلى أي حملة لطرد الأموال السوداء من النظام المالي".

من الطبيعي أن الهدف على المدى القصير، هو وقف القتال في أوكرانيا. لكن هناك هدفاً طويل المدى يمكن الوصول إليه في هذه الحالة. يجب أن تكون عملية مكافحة الفساد وغسيل الأموال جهداً عالمياً، ويبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لقيادة هذا الجهد، لكن يتعين على الدول الأخرى المشاركة.