مشروع بايدن لدعم الطاقة في أوروبا لن يكون حلاً سريعاً

منشأة للغاز المسال تابعة لشركة "شينير إنرجي" في مقاطعة كاميرون في ولاية لويزيانا
منشأة للغاز المسال تابعة لشركة "شينير إنرجي" في مقاطعة كاميرون في ولاية لويزيانا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

دفع الغزو الروسي لأوكرانيا بالغاز الطبيعي المسال إلى دائرة الضوء عالمياً.

الغاز الطبيعي المسال هو غاز طبيعي يتم تبريده وتحويله إلى سائل بحيث يصبح بالإمكان تحميله على ناقلات ضخمة وشحنه إلى البلدان التي تستخدمه للتدفئة وتوليد الطاقة. وبينما ارتفع الطلب على هذا النوع من الوقود في آسيا، كانت أوروبا بطيئة في احتضانه كبديل للغاز الطبيعي الأرخص الذي يتم نقله عبر الأنابيب من روسيا، والذي يوفر 40% من احتياجات القارة.

تأثير الحرب

تغيّر ذلك مع اندلاع الحرب في الجانب الشرقي من أوروبا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز المتقلبة أصلاً. وفي صفقة تم الكشف عنها في 25 مارس الماضي، أعلنت الولايات المتحدة التزامها بالعمل مع شركاء دوليين لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى الدول الأوروبية لتصل إلى نحو 1.8 تريليون قدم مكعب (50 مليار متر مكعب) سنوياً بحلول عام 2030.

وبلغ إجمالي الشحنات الأمريكية إلى أوروبا ما يقرب من 913 مليار متر مكعب وفقاً لشركة الأبحاث "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy). وفي هذا السياق، قال الرئيس جو بايدن في مؤتمر صحفي للإعلان عن الاتفاقية في بروكسل، إن الحلفاء عبر الأطلسي "يجتمعون لتقليل اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية".

الغاز الأميركي

بعد مُضي ست سنوات على إبحار أول شحنة من الغاز الصخري الأمريكي من محطة لويزيانا التابعة لشركة "شينير إنرجي" (Cheniere Energy)، باتت الولايات المتحدة تتنافس مع قطر وأستراليا على لقب أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. (هذا الترتيب متغير باستمرار، لكن الولايات المتحدة في الصدارة حالياً). مع ذلك، فإن صادرات الولايات المتحدة لن تكون كافية وحدها لتقلع أوروبا عن الغاز الروسي بشكل تام، على الأقل في المدى القصير.

شركات الطاقة تتخاطف الغاز الروسي مع سعي أوروبا لإيجاد بدائل

وحتى مع عمل المحطات السبعة المخصصة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بأقصى سرعة ممكنة، فهي تستطيع تلبية نحو ثلث الطلب اليومي على الغاز في أوروبا فقط. بينما تصل تكلفة إنشاء المرافق الجديدة إلى مليارات الدولارات، وتستغرق سنوات للبناء.

من جهة أخرى، أدى نقص التمويل إلى حدوث اختناقات في القطاع: فعلى مدى سنوات مضت، لم يتم بناء 12 محطة مقترحة ومرخصة من قبل المنظمين الأمريكيين، بسبب محاولة المطورين لجمع الأموال. بينما لا تمتلك أوروبا مرافق استيراد كافية لاستيعاب الزيادة الكبيرة في حركة ناقلات النفط الأمريكية.

دعم سياسي

مع ذلك، فإن الدعم السياسي للغاز الطبيعي المسال الأميركي في الوقت الحالي هو أكبر من أي وقت مضى. ما يمثل فرصة مواتية للشركات التي تحاول تطوير مشاريع التصدير. يقول شون مورغان، محلل صناعة الغاز الطبيعي المسال في "إيفركور آي إس آي" (Evercore ISI): "انفصال أوروبا عن روسيا، التي تُعدّ شريكها منذ فترة طويلة في إمدادات الطاقة، يترك فرصة نمو هائلة للغاية لمصدّري الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة".

فيما يلي نظرة أكثر تفصيلاً على أبرز التحديات التي يجب على شركات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية التغلب عليها لتنجح بتزويد أوروبا بالمزيد من الغاز.

  • تكاليف البناء والتمويل

ستكلف محطة "كالكاسيو باس" للتصدير التابعة لشركة "فنتشر غلوبال للغاز المسال" (Venture Global LNG) حوالي 5.8 مليار دولار. وتُعدّ المحطة التي هي قيد الإنشاء في لويزيانا حالياً، أحد المشاريع الأقل من حيث التكلفة. ويستغرق إنشاء وحدة جديدة واحدة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في إحدى المنشآت القائمة، حوالي عامين ونصف حتى تكتمل، وفقاً لـ"غولدمان ساكس".

ومن المتوقع أن تجدد أزمة الغاز في أوروبا الاهتمام ببعض مشاريع التصدير الأمريكية قيد التطوير، التي كافحت لجذب التمويل في السنوات الأخيرة، حيث كانت أسعار الغاز المنخفضة نسبياً والمنافسة من قطر وأستراليا تحدّ من تدفقه.

وفي إحدى علامات الثقة الظاهرة حديثاً في الصناعة، قامت شركة "تيلوريان للغاز" (Tellurian) بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان الصفقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بإعطاء الضوء الأخضر لبناء مجمع تصدير في لويزيانا، على الرغم من أنها لم تجمع التمويل اللازم بعد لهذا المشروع الذي تبلغ تكلفته 12 مليار دولار.

قطر تسعى للاستفادة من مخاوف نقص إمدادات الغاز في أوروبا

  • التصاريح الفيدرالية

قبل أن يتمكّن المطورون من البدء، يجب عليهم تقديم مقترحات مفصّلة إلى وزارة الطاقة و"الهيئة الفيدرالية لتنظيم الطاقة"، وهي وكالة مستقلة تُشرف على نقل الغاز. كما تحتاج بعض المشاريع أيضاً إلى تصاريح من الولايات. وكل تلك المعاملات الورقية يمكنها أن تستغرق سنوات.

وفي منتصف شهر مارس، وافقت وزارة الطاقة على طلبات "شينير إنرجي" لتوسيع أحجام الصادرات من محطتها في لويزيانا، ومن محطة أخرى في كوربوس كريستي الواقعة في ولاية تكساس، في إشارة إلى أن إدارة بايدن مستعدة للمخاطرة بإضعاف تعهد الرئيس خلال حملته الانتخابية لمكافحة تغيّر المناخ، من أجل الحلفاء الأوروبيين.

  • العقود

إذا كانت الدول الأوروبية جادة حول الابتعاد عن الغاز الروسي، فسيتعين عليها توقيع المزيد من العقود طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، كما تقول سامانثا دارت، رئيسة أبحاث الغاز الطبيعي في "غولدمان ساكس"، ذلك لأن تمويل المحطات الجديدة يتوقف عادةً على صفقات التوريد لمدة 15 أو 20 عاماً التي يوقعها المطورون مع شركات الطاقة والمشترين الآخرين.

وأدّت أزمة الطاقة الأوروبية إلى تحسين بيئة التعاقد طويل الأجل للمشاريع ذات التصاريح الفيدرالية. وكان من بين الفائزين الأوائل شركة "شينير إنرجي" التي تخطط لتوسيع محطة تكساس التابعة لها، وشركة "فنتشر غلوبال للغاز المسال" التي تسعى إلى إضافة ثلاث منشآت تصدير أخرى في لويزيانا.

وعلى صعيد الاستيراد، تخطط ألمانيا لبناء محطتين بينما تتطلع إيطاليا وبولندا ودول أخرى إلى تطوير محطات جديدة أو توسيع المرافق الحالية لديها.

  • معارضة التصدير

ستؤدي الزيادة في عدد محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، إلى جانب الأسعار المرتفعة التي يرغب العملاء الأوروبيون في دفعها، إلى تحويل الإمدادات عن السوق المحلية، ما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات والأسر الأميركية التي تمتعت بسنوات من الأسعار المنخفضة نسبياً.

وبالفعل، تلقي مجموعة ضغط "مستهلكي الطاقة الصناعية في أمريكا" باللوم على صادرات الغاز الطبيعي المسال في الإسهام برفع فواتير الطاقة بالفعل. حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بنحو 45% هذا العام حتى الآن، وبأكثر من الضعف خلال الـ 12 شهراً الماضية.

هبوط صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي في وقت غير مناسب

  • قدرة الإنتاج وخطوط الأنابيب

حتى في الوقت الذي حشدت فيه الحرب في أوكرانيا الدعم لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال، يبقى من غير الواضح مدى استعداد منتجي الغاز الأمريكيين لزيادة الإنتاج. على الرغم من أن الإنتاج انتعش على إثر الانهيار الناجم عن الوباء في عام 2020، إلا أنه نما بشكل متواضع خلال العام الماضي حيث يضغط المستثمرون على الشركات للحفاظ على حد للإنفاق وإعادة الأموال إلى المساهمين.

وتُعدّ قدرة خطوط الأنابيب لنقل الغاز من الأحواض الصخرية إلى محطات التصدير محدودة، في حين واجهت المقترحات لإنشاء قنوات جديدة معارضة من قبل المنظمين والجماعات البيئية في السنوات الأخيرة. وجادل السناتور الديمقراطي جو مانشين من ولاية ويست فرجينيا بأن "قانون الإنتاج الدفاعي" الذي يمنح الرئيس سلطة الطوارئ للسيطرة على الصناعات المحلية، يجب استخدامه للإسراع في استكمال خط الأنابيب المتوقف الذي يربط ترسبات "مارسيلوس للغار الصخري" المتناثرة في الولاية مع محطات التصدير في خليج المكسيك.

  • التحديات البيئية

واجه الغاز الطبيعي المسال عقبات متزايدة في أوروبا وكذلك في الولايات المتحدة وسط مخاوف تغيّر المناخ. على الرغم من أن الغاز يحترق بشكل أنظف للبيئة من الفحم عند تسربه إلى الغلاف الجوي، إلا أنه يتكون في الغالب من الميثان، وهو غاز أقوى بأكثر من 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون في تأثيره على الاحتباس الحراري.

هل يدفع "الجنون" أو "اليأس" بوتين لقطع الغاز عن أوروبا؟

وواجهت تقنية التكسير الهيدروليكي انتقادات سابقاً بسبب تأثيرها على البيئة، وهي طريقة لكسر الصخور وإطلاق الهيدروكربونات. حيث ألغت شركة "إنجي" (Engie) لمرافق الطاقة خططاً في عام 2020 لشراء الغاز الطبيعي المسال من شركة التصدير الأمريكية "نيكست ديكاد" (NextDecade) التي تحاول بناء محطة تصدير في تكساس، تحت ضغط من الحكومة الفرنسية والمجموعات الخضراء.

من جهة أخرى، يجادل مؤيدو الغاز الطبيعي بأن الوقود الأحفوري يجب أن يلعب دوراً في تحول الطاقة، خاصة إذا كان بإمكان الموردين الوفاء بتعهدات تتبع ووقف تسرب غاز الميثان من الآبار وخطوط الأنابيب.

وفي فبراير، اقترحت المفوضية الأوروبية تصنيف الاستثمارات في بعض مشاريع الغاز على أنها مستدامة بموجب نظام تصنيف الكتلة الأوروبية.

  • فرصة سانحة

من المحتمل ألا يكون الدعم من بروكسل وواشنطن كافياً للتغلب على حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان الطلب على الغاز الطبيعي سيستمر مع مرور الوقت. حيث حددت أوروبا أهدافاً طموحة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي إذا تم تحقيقها ستقلل من سوق الغاز الطبيعي المسال. ويُعدّ هذا أكبر خطر طويل الأجل يواجه المستثمرين في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، وفقاً لإميلي ماكلين، المحللة في شركة الأبحاث "ريستاد إنرجي" التي تقول: "نحن نتحرك في اتجاه تحول الطاقة"، وتابعت: "السؤال هو متى نصل إلى هناك".