أخيراً.. صناديق التحوّط تحقق أرباحاً من العملات الأجنبية

سياسة الاحتياطي الفيدرالي وارتفاع سعر الدولار هبة إلهية لمجموعة صغيرة من رواد أسواق النقد الأجنبي

رجل يعد دولارات أميركية في محل للصرافة في داكا
رجل يعد دولارات أميركية في محل للصرافة في داكا المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد أن تعرضت لضربات موجعة في عصر انخفاض أسعار الفائدة، تغمر الروح القتالية آخر من تبقى من شركات إدارة صناديق التحوط الموجهة إلى الاستثمار في أسواق النقد الأجنبي هذا العام.

سياسة الاحتياطي الفيدرالي التقشفية العنيفة ترفع قيمة الدولار الأميركي إلى مستويات تاريخية، وتطلق تغيرات كبيرة في أسعار العملات المختلفة من أوروبا إلى آسيا، حتى أصبحت هبة إلهية عند مجموعة صغيرة من المتعاملين في سوق النقد الأجنبي الذين يعتمدون على أسلوب التحليل الكمي والتداول الآلي، ومديري الصناديق الذين يتمتعون بسلطات تقديرية وهم يحققون أعلى مكاسبهم منذ سنوات الرخاء السابقة على عام 2008.

تتأهب صناديق التحوط العاملة في هذا القطاع، التي تتتبعها شركة "يوريكا-هيدج" (Eurekahedge)، لاستقبال أفضل سنوات نشاطها منذ عام 2003 مع زيادة التقلب وتحول السياسة النقدية. وبفضل صعود العملة الخضراء صعوداً متواصلاً، وما ينجم عن ذلك من انخفاض قيمة اليورو والين، تستعد أيضاً شركات التداول في أسواق العملة التي تلاحق الاتجاه على أحد مؤشرات "باركلي-هيدج" لتحقيق أقوى أداء لها منذ عام 2003.

اقرأ أيضاً: ارتفاع الين إلى مستوى يهدد استراتيجية البيع الكبير في أسواق العملة

أرباح طائلة

في نفس الوقت، يتمتع أمثال شركة "بي إي إنفستمنتس" (P/E Investments) المتخصصة في تداول العملة بنسب للأرباح مزدوجة الأرقام من خلال تطبيق أنماط إحصائية موثوق بها في مختلف الأسواق.

قال أندرو بير، مؤسس شركة "دايناميك بيتا إنفستمنتس" (Dynamic Beta Investments): "إذا قلت قبل عام من الآن إن الين الياباني سينخفض إلى مستوى 140 مقابل الدولار وإن اليورو سيتراجع حتى يعادل دولاراً واحداً، فلن تجد من يصدقك. هذه التغيرات مذهلة ومدهشة بشكل مطلق". وتدير شركة "دايناميك بيتا إنفستمنتس"، ومقرها في نيويورك، أصولاً بقيمة 1.1 مليار دولار وتسعى إلى تحقيق إيرادات تماثل إيرادات صناديق التحوط.

متداولو اليورو يتساءلون إلى أي مدى قد ينخفض دون مستوى دولار واحد

كل ذلك بعيد تماماً عن نظام السوق العدائية الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، عندما توافق محافظو البنوك المركزية على تبني سياسة نقدية توسعية متزامنة – فانقلبت رأساً على عقب استراتيجيات المضاربة على أسعار الفائدة والمضاربة على العوائد من زخم الأسعار مع نبذ وتجاهل تقلب الأسعار واتجاهات الاقتصاد الكلي.

تسبب ذلك في أزمة بالنسبة لأولئك المتعاملين مازالت مستمرة حتى اليوم رغم الأرباح الأخيرة الطائلة وغير المتوقعة.

طلبات الاسترداد الإجمالية من صناديق التحوط تصل إلى 59 مليار دولار في 2022

تناقص عدد الصناديق

بلغ عدد الصناديق الخاصة التي تركز على التعامل في النقد الأجنبي أعلى مستوى له في يناير 2010، وفق مزودة البيانات شركة "باركلي-هيدج"، غير أن هذا العدد انخفض بنسبة 80% منذ ذلك التاريخ.

قال بنجامين كروفورد، نائب رئيس شركة "باركلي-هيدج" ورئيس قسم البحوث بها: "إن عدد الصناديق التي يجري تأسيسها قليل جداً، بينما يبدو أن أعداداً قياسية منها تختفي وتتلاشى. ويبدو أن الأكبر بين الصناديق الكبرى هو الذي يحصد المكاسب".

ومع استمرار تفاقم مستوى التضخم في الولايات المتحدة، يعكف بنك الاحتياطي الفيدرالي على تنفيذ واحدة من أعنف جولات رفع أسعار الفائدة في تاريخه، وفي نفس توقيت تصاعد المخاوف الاقتصادية.

ارتفاع معدل التضخم إلى 9.1% يضغط على "الفيدرالي الأميركي" لمواصلة زيادة سعر الفائدة

أشعل ذلك شرارة الزيادة في قوة الدولار على نطاق واسع وتسبب في ضعف قيمة العملات الأخرى في كثير من بلدان العالم – داعماً بذلك المتعاملين في أسواق العملة الذين يستثمرون على أساس الاتجاهات الكلية وأولئك الذين يلاحقون زخم ارتفاع أسعار العملة.

في مركز العاصفة

في نفس الوقت، عززت الحرب في أوكرانيا من الميل إلى تجنب المخاطرة، مع ارتفاع مؤشر لقياس تقلبات العملة يصدر عن بنك "دويتشه بنك" مؤخراً إلى مستويات سجلت آخر مرة في الأيام الأولى من انتشار جائحة كورونا. ويساعد ذلك المتعاملين على موازنة رهاناتهم عبر التنقل بين الأسواق المختلفة.

يقول بابلو كالدريني، الذي يعمل كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "غراهام كابيتال مانجمنت" (Graham Capital Management)، وهي شركة استثمار عالمية تعتمد على المؤشرات الكلية: "إنه تغير كامل بمستوى 180 درجة، إذ إن البنوك المركزية مضطرة إلى رفع أسعار الفائدة، وعليها أن ترفع الفائدة بنسب كبيرة، وتقع أوراق الدخل الثابت في مركز العاصفة، وهو ما ينطبق أيضاً على السلع والأسهم وعلى النقد الأجنبي بطبيعة الحال".

صعود الدولار الأسترالي يختبر رهانات صناديق التحوط المتشائمة على العملة

"غراهام كابيتال"، التي تتخذ مقرها في مدينة "نورووك" الساحلية بولاية كونيكتيكت، تشرف على استثمار 1.5 مليار دولار اعتماداً على استراتيجية المؤشرات الكلية، وحققت نمواً بنسبة 45% في النصف الأول من العام الحالي، عززتها استثمارات طويلة الأجل في الدولار الأمريكي ورهانات ضد العملتين الأوروبية واليابانية، اللتين انخفضتا إلى أدنى مستوى في 20 عاماً في عصر تشدد السياسة النقدية عند الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

وتدير شركة "غراهام كابيتال" أصولاً تبلغ قيمتها الإجمالية 18 مليار دولار.

في نفس الوقت، حققت شركة "بي إي إنفستمنت"، ومقرها في بوسطن، عائداً بنسبة 16% منذ بداية العام حتى نهاية شهر يونيو في صندوقها "إف إكس ستاندارد ستراتيجي" (FX Standard Strategy)، وقد خصصت 13.7 مليار دولار للاستثمار في استراتيجيات العملة، وفق تصريحات شخص مطلع على الموضوع. وهي تخصص استثماراتها على أساس نماذج إحصائية تضع في اعتبارها تقلب الأسعار ومخاطر السوق.

رفض متحدث عن شركة "بي إي إنفستمنتس" التعقيب.

فرص ومخاطر متعارضة

قد يتوقع المتعاملون أن فرصاً كثيرة أخرى بانتظارهم في ضوء زيادة الشكوك وحالة عدم اليقين بشأن آفاق التضخم والنمو الاقتصادي، ومثال ذلك أن ألان روسكين، رئيس الاستراتيجية العالمية في بنك "دويتشه بنك"، تنبأ باحتمال أن ينطلق اليورو مرتفعاً بنسبة تصل إلى 30%، إذا توصلت أوروبا إلى حل لأزمة الطاقة – وهو أمر ربما يحقق مكاسب هائلة لصناديق الاستثمار في العملة التي تكون على الجانب الصحيح في التعامل.

ويراهن آخرون، مثل صندوق التحوط "إي دي إل كابيتال" (EDL Capital)، على أن يتدهور اليورو بنسبة 20% أخرى حتى ينخفض سعره إلى 80 سنتاً أميركياً.

"إي دي إل كابيتال" يراهن على تراجع اليورو إلى 0.8 دولار

ينبغي أيضاً أن يساعد ارتفاع أسعار الفائدة شركات إدارة الصناديق على تحقيق عوائد أخرى من استراتيجية المضاربة على أسعار الفائدة، وفق تصريحات لوك دو لا ديورانتاي، رئيس شؤون الاستثمار لدى شركة "سي آي بي سي أسيت مانجمنت" (CIBC Asset Management). وتقوم هذه الاستراتيجية على اقتراض عملة بأسعار فائدة منخفضة واستثمارها في عملة أخرى تمنح عائداً أعلى.

قال لوك: "إن الدورة الاقتصادية في العالم ليست متزامنة بدرجة كبيرة في الوقت الحالي. وسوف يترتب على ذلك مزيد من التقلب والاضطراب، ولكنه أيضاً سيؤدي إلى ضعف في الارتباط، مما سيؤدي إلى ظهور فرص كثيرة أخرى".

إنفوغراف: الدول التي رفعت الفائدة منذ بداية العام

مع ذلك، لا يرجح أن تتكرر في أي وقت قريب تلك الرهانات السهلة في تدوير العملة، مثل صعود الدولار، بينما تتبدد الآمال في انتعاش قوي للقطاع مرة بعد أخرى. ويشير ذلك إلى أن الصناديق التي تلتزم بالتخصص في الاستثمار في أسواق العملة سوف تظل نادرة في الوقت الحالي.

يرى كالدريني من شركة "غراهام كابيتال" أن: الناس يدركون الآن أن الأفضل هو استثمار أموالهم في صناديق لا تقتصر على التعامل في أصل واحد – أي في صناديق تستطيع التعامل في أصول متعددة، تعتمد جميعها على سياق المؤشرات الكلية العالمية، وذلك رغم نجاح سوق النقد الأجنبي في الوقت الحالي".