قفزت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" (Nividia Corp) 207 مليارات دولار في اليومين اللذين تليا تقديم شركة تصميم وصنع الرقاقات الأميركية في 24 مايو توقعاً كبيراً للإيرادات، بعد موسم مليء بالمشكلات لقطاع أشباه الموصلات.
مع ذلك؛ هناك قلة من شركات التقنية الأخرى قد تستفيد بشكل أكبر من سباق تبني الذكاء الاصطناعي.
هناك عدة عوامل ساهمت في هذا التوقع ورد الفعل اللاحق، إذ فاق حجم المبيعات توقعات المحللين بنسبة 53%، وزاد 33% عن الرقم القياسي السابق للشركة، والتي حققته في مارس العام الماضي. كما حقق ارتفاع سعر الأسهم في اليوم الأول من الاكتتاب ثالث أكبر ارتفاع في تاريخ الولايات المتحدة، بينما غطت الزيادة في رأس المال السوقي التي استمرت ليومين على رفع رأس المال السوقي لكل الأسهم في العالم، إلا أسهم 48 شركة فقط.
أعاق ارتفاع قيمة "إنفيديا" 200 مليار دولار نمو شركات أخرى، ومن ضمنها شركتان من أهم داعمي ثورة الذكاء الاصطناعي، هما "إس كيه هاينيكس" (SK Hynix Inc) الكورية، و"مايكرون تكنولوجي"، التي يقع مقرها في مدينة بويسي، إيداهو، واللتان تسيطران على 52% من السوق العالمية لذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية (DRAM). يبلغ رأسمالهما السوقي معاً 140 مليار دولار فقط. أما منافستهما الوحيدة، "سامسونغ إلكترونيكس"، فتمثل 43% من قطاع رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، وهو أحد 4 قطاعات عالمية على الأقل تتربع الشركة في صدارتها، فيما بلغ رأسمالها السوقي 317 مليار دولار.
دور رقائق الذاكرة
إذا كان قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي سينمو سريعاً، كما تتوقع "إنفيديا" وعملاؤها، فيُتوقع أن تتهافت الشركات العملاقة، مثل "مايكروسوفت"، والشركات الجديدة مثل "أوبن إيه آي" (OpenAI)، على منتجات "سامسونغ" و"إس كيه هاينيكس" و"مايكرون".
فالآلات التي تعالج كماً هائلاً من البيانات، وتحلل الأنماط في المقاطع المصورة والصوتية والنصوص، وتنتج نسخاً من المحتوى الذي يصنعه الإنسان، ستحتاج لعدد أكبر من رقائق الذاكرة. حقيقةً، يُرجح أن تشتري شركات الذكاء الاصطناعي ذاكرات الوصول العشوائي الديناميكية بكميات أكبر مما اشترته أي شريحة أخرى من قطاع التكنولوجيا في التاريخ.
أسهم التكنولوجيا تواصل صعودها في أميركا بدعم الذكاء الاصطناعي
السبب في هذا الطلب على رقائق الذاكرة واضح تماماً، فرقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها "إنفيديا" تختلف عن المعالجات المعيارية بقدرتها على استيعاب كميات هائلة من البيانات في المرة الواحدة، وإجراء العمليات الحسابية دفعة واحدة، ثم إخراج كل النتائج على الفور. لكن لتحقيق تلك الميزة في القدرة على المعالجة، يجب إدخال المعلومات إلى الحاسوب سريعاً ودون تأخير، وهنا يأتي دور رقائق الذاكرة.
فالمعالجات لا تقرأ البيانات من القرص الصلب مباشرةً، فهذه عملية في غاية البطء ومنعدمة الكفاءة، لذا؛ فالخيار الأفضل هو حفظها في وحدة تخزين مؤقتة داخل الرقاقة. لكن لا توجد بها مساحة كافية لتخزين قدر كبير من البيانات، لذلك تفضل شركات صنع الرقائق تخصيص تلك المساحة الثمينة لمهام إجراء العمليات الحسابية، وبالتالي، يصبح ثاني أفضل الخيارات هو استخدام رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية.
التعطش للرقائق
عند معالجة مليارات البيانات دفعة واحدة، يجب أن تكون تلك البيانات في المتناول وتُنقل بسرعة، والافتقار إلى ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية الملائمة في إحدى النظم سيبطئ عمل الحاسوب بشكل كبير، ما سيهدر الجدوى من إنفاق 10 آلاف دولار لشراء أفضل المعالجات لتشغيل روبوتات المحادثة المتطورة. ما يعني احتمال تركيب رقاقة ذاكرة وصول عشوائي ديناميكية سعة 1 تيرا بايت لكل معالج متطور للذكاء الاصطناعي جرى شراؤه، وهذا أكبر من سعة ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية لحاسوب محمول متطور بمقدار 30 مرة.
"إنفيديا" تشعل صعود الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بتوقعات قوية
يشير هذا التعطش لرقائق الذاكرة إلى توقع تفوق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية المبيعة للاستخدام في الخوادم في أدائها على رقائق الذاكرة التي زودت بها الهواتف الذكية في وقت ما في العام الجاري، وفقاً لشركة "ترند فورس" (TrendForce Corp) للبحوث، ومقرها في تايبيه، تايوان.
كما ستحتاج تلك النظم إلى القدرة على حفظ كميات كبيرة من مخرجاتها في مكان قريب، بحيث يمكن قراءتها وكتابتها بشكل سريع. ويتم ذلك على ذاكرة وميضية تستخدم منطق "ناند" (NAND)، وهي الرقائق ذاتها المستخدمة في الهواتف الذكية وأغلب الحواسيب المحمولة الحديثة.
تُعد "سامسونغ" الرائد العالمي في هذا المجال، وتحل بعدها شركة "كيوكسيا هولدينغز" (Kioxia Holdings Corp) اليابانية، المنبثقة من "توشيبا" (Toshiba Corp)، و"إس كيه هاينيكس".
توقعات بزيادة الإيرادات
شكلت رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية وذاكرات "ناند" الوميضية معاً في الربع الماضي 8.9 مليار دولار من إيرادات "سامسونغ"، لتتجاوز بكثير إيرادات "إنفيديا" البالغة 4.3 مليار دولار والتي جنتها من عملها على مراكز البيانات الذي يتضمن المنتجات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. مع ذلك، ولوضع ذلك في سياقه، كان هذا الأداء الأسوأ لقسم رقائق الذاكرة في "سامسونغ" خلال 7 سنوات، ولا تشكل مبيعات رقائق الذاكرة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إلا جزءاً ضئيلاً من إيرادات الشركة الإجمالية.
"سامسونغ" تخطط لإنشاء مصنع رقائق في اليابان بـ221 مليون دولار
يُتوقع أن تزيد إيرادات كلتا الشركتين، فنظير كل رقاقة متطورة للذكاء الاصطناعي تباع للعملاء، ستُشحن عشرات رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، ما يعني زيادة إيرادات "سامسونغ" و"إس كيه هاينيكس" و"مايكرون". ومع زيادة إنتاج "إنفيديا"، ستتحكم تلك الشركات الثلاثة معاً في 95% من سوق رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية.
لا شك أن ثورة الذكاء الاصطناعي قد بدأت، ومن بين أكبر الفائزين مطورو روبوتات المحادثة الرائعة، ومحركات البحث المنتشرة في كل مكان، والمعالجات فائقة القدرة. بل حتى منتجي الكميات الكبيرة من رقائق الذاكرة القديمة المملة سيستفيدون.