تطبيق "زاب" يستهدف منع تكاثر نواقل الملاريا

شركة إسرائيلية ناشئة ترسم خرائط للمسطحات المائية حيث تتكاثر الحشرات حتى يمكن معالجتها بمبيدات اليرقات

أحد عمال "زاب ملاريا" يرش مبيدات البعوض في غانا
أحد عمال "زاب ملاريا" يرش مبيدات البعوض في غانا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما يزال يواجه نصف الناس تقريباً خطر الإصابة بالملاريا برغم إمكانية الوقاية والتشافي منها. تشكل الناموسيات ورش المبيدات الحشرية في الأماكن المغلقة هي الوسائل الأساسية للحد من العدوى التي ينقلها البعوض في أفريقيا، حيث كان نصيب القارة السمراء 95% من 247 مليون إصابة حول العالم في 2021.

تهدف اللقاحات الجديدة لمنع انتقال العدوى بين الأطفال الصغار باعتبارهم من بين أكثر الفئات عرضة للوفاة من الملاريا. قال رائد الأعمال، أرنون هوري يافين، إنَّ على صانعي السياسات اتباع نهج آخر، ألا وهو منع تكاثر البعوض من الأساس.

ابتكرت شركة "زاب ملاريا" (Zzapp Malaria) الناشئة، التي أسسها هوري يافين في تل أبيب أداة تستخدم صور الأقمار الصناعية لتحديد المسطحات المائية، حيث يتكاثر البعوض الناقل للملاريا، وكذلك التنبؤ بمواقع تشكل مصادر المياه الجديدة الملائمة للغرض ذاته.

هل سيؤدي البعوض لانهيار أنظمتنا الصحية؟

كما يساعد تطبيق "زاب" للهواتف المحمولة العمال الميدانيين في العثور على مصادر مياه يمكنهم معالجتها باستخدام "العصوية التورنجية" (Bacillus Thuringiensis Israelensis) كمبيد حيوي لمكافحة الآفات. تستهدف البكتيريا التي تسبب مرضاً للحشرات يرقات الناموس والبعوض والذباب الأسود دون أن يمتد تأثيرها السام إلى الحشرات الأخرى أو إلى البشر والحيوانات.

قال هوري يافين إنَّه برغم فعالية جهود مكافحة الملاريا في الحد من العدوى، لكنَّها لا تحاول القضاء على المشكلة من جذورها. أشار مؤسس "زاب ملاريا" إلى معالجة المسطحات المائية قائلاً: "نعتقد أنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على المرض"، معتبراً أنَّ تكلفة "زاب" تضاهي التكلفة السنوية لشراء الناموسيات بواقع دولار لكل فرد في المناطق الحضرية.

تجارب واعدة

تهدف منظمة الصحة العالمية إلى تقليل حالات الإصابة بالملاريا والوفيات الناجمة عنها بنسبة 90% بحلول 2030، فضلاً عن القضاء على المرض في 35 دولة ومنع ظهوره مجدداً في الأماكن التي تخلو حالياً من الإصابات. لكنَّ جائحة "كوفيد-19" أبطأت وتيرة التقدم، وعطلت جهود الوقاية والعلاج.

تتمثل التحديات الأخرى في مقاومة الكائنات الطفيلية المتزايدة للأدوية والمبيدات الحشرية المستخدمة على نطاق واسع، وما ينطوي عليه تغير المناخ من تهديد بانتقال البعوض من المناطق الاستوائية إلى مناطق جديدة على الأرجح.

تقول "زاب " إنَّها اختبرت فعالية نهج المكافحة الحيوية سالف الذكر في ساو تومي وبرينسيبي، وهي دولة جزرية تقع قبالة ساحل وسط أفريقيا الغربي، بالإضافة إلى خمس دول أخرى في شرق أفريقيا. انخفض عدد البعوض خلال التجارب بنسبة 75%، فيما تراجعت إصابات الملاريا إلى النصف بعد معالجة ما يقرب من 13 ألف مسطح مائي في ساو تومي وبرينسيبي، وفقاً لإحصاءات الشركة الناشئة.

إلى أي مدى تقنية "كريسبر" للتعديل الجيني مهمة لعلاج الأمراض؟

انبثقت "زاب" عن شركة إسرائيلية تصنع تقنيات فحص الدم، وهي "سايت دايغنوستيكس" (Sight Diagnostics). كانت الأخيرة قد حصدت نحو 3 ملايين دولار من جوائز مسابقات شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، مما ساعدها على تمويل عمليات "زاب". كما غطّت مؤسسة "بيل وميلندا غيتس" تكاليف تجربة الشركة الناشئة في زنجبار، فضلاً عن منحها مبلغاً إضافياً قدره 70 ألف دولار.

غير أنَّ معالجة مصادر المياه لمنع تكاثر الحشرات الناقلة للملاريا ليست أمراً جديداً. فقد نجح هذا النهج في بعض المناطق بالبرازيل قبل عقود، واعتمدته إسرائيل للقضاء على الملاريا بحلول الستينيات.

لكنَّ منظمة الصحة العالمية توصي بملاحقة مواقع تكاثر البعوض فقط عندما تكون "قليلة وثابتة ويمكن العثور عليها"، بحسب ما يقول باسل بروك، رئيس المختبر المرجعي لمكافحة نواقل الأمراض بالمعهد القومي للأمراض المعدية في جنوب أفريقيا: "تلك هي المواقع التي تصلح للمعالجة كونها شاسعة بما يكفي، لكنَّها ليست شاسعة جداً".

التأييد المجتمعي

سيتشارك مزيد من الأشخاص العيش في القرى والبلدات والمدن نظراً للزيادة السكانية المتسارعة في أفريقيا، والمتوقَّع مقاربتها ضعف عدد السكان الحالي بحلول 2050. قال بروك إنَّ خبراء مكافحة الملاريا أثبتوا أنَّ الحد من وجود المسطحات المائية المفتوحة قرب المجتمعات العمرانية يشكل إحدى طرق منع تكاثر البعوض، واصفاً التخطيط الحضري بأنَّه "مقوّم مهم للغاية" للوقاية من الأمراض.

لفت هوري يافين إلى أنَّ نهج "زاب" في تحديد المسطحات المائية ومعالجة المياه، الذي ينبغي تطبيقه أسبوعياً، يمكن أن ينجح في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. لكنَّه يخشى أن تثبط التحديات اللوجستية همة الدول، فتختار تطبيق هذا النهج في المناطق المأهولة بالسكان فقط.

ثورة الطب الحيوي تحتاج إلى اقتصاديين صالحين

قال جيشري رامان، رئيس مختبر رصد مقاومة مضادات الملاريا بالمعهد القومي للأمراض المعدية في جنوب أفريقيا، إنَّ القبول المجتمعي لاستخدام مبيدات اليرقات قد يشكل عقبة أخرى أمام تطبيق هذا النهج. قال رامان: "إذا كنت ترغب باستخدام مبيدات اليرقات، خاصة في المناطق الحضرية؛ فعليك أن تحظى بتأييد المجتمع. سواء كانت المياه للشرب أو للاستخدام الحيواني، حتماً سيتعين عليك استقطاب مشاركة مجتمعية حقيقة قبل وأثناء وبعد معالجة المياه".

بيّن يافين أنَّ "زاب" تجري محادثات حالياً مع مسؤولين في موزمبيق وغانا حول عقود يُحتمل إبرامها لمعالجة المياه في البلدين، وهي ستكون أول عمل مهم مدفوع الأجر تتولاه الشركة في حال توقيعها. تابع مؤسس "زاب ": "ستكون فرصة لإنقاذ العديد من الأرواح. تعد موزمبيق واحدة من أبرز البلدان التي تعاني من ارتفاع في عدد الإصابات الجديدة بالملاريا نسبة لعدد السكان؛ ليس من حيث الوفيات فقط، ولكن من حيث الإصابة بالمرض أيضاً".