مارك شامبيون: بوتين يفوز بحرب الحبوب وشق صفوف حلفاء أوكرانيا

رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي يتحدث أمام مجلس الأمن الدولي عن الحرب في بلاده في اجتماع خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر 2023 بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة
رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي يتحدث أمام مجلس الأمن الدولي عن الحرب في بلاده في اجتماع خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر 2023 بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ نقلاً عن غيتي إيمجز
Marc Champion
Marc Champion

Marc Champion is a Bloomberg Opinion columnist covering Europe, Russia and the Middle East. He was previously Istanbul bureau chief for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بلومبرغ - مارك شامبيون وخافيير بلاس

نجح قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنهاء اتفاق سمح لأوكرانيا بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب عن طريق البحر، بتحقيق مآربه. فقد أضعف اقتصاد عدوه ودق إسفيناً بين الحلفاء المقربين المناهضين له، كل ذلك من دون أن تفقد روسيا دعم ما يسمى بدول جنوب الكرة الأرضية.

أصبح من المستحيل تجاهل هذه الحقيقة في الأيام القليلة الماضية، خصوصاً بعد خروج الانتقادات اللاذعة بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي وزعماء بولندا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك عن السيطرة. إذ قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراوسكي يوم الأربعاء إن بلاده، وهي واحدة من أكبر موردي المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لن ترسل المزيد، وهو تهديد تراجعت عنه حكومته جزئياً يوم الخميس.

سلاح الإمدادات الغذائية

ومن المنفر أن نرى روسيا تستخدم الإمدادات الغذائية سلاحاً بهذه الطريقة. ومن المستحيل أيضاً محاولة إقناع بوتين بالتخلي عن السياسة الناجحة. فهذه حرب، وكل الأسلحة مباحة فيها. وتستطيع أوكرانيا حل المشكلة فقط من خلال مساعدة الحلفاء، ولكن تحقيق هذه الغاية سيكون صعباً، حتى لو ظلوا متماسكين.

تتمثل المشكلة في أن الغرب توقع ارتفاعاً حاداً في أسعار الحبوب العالمية بعدما انسحبت موسكو من مبادرة حبوب البحر الأسود في يوليو، الأمر الذي من شأنه أن يدفع دولاً مثل الهند والصين ومصر وإندونيسيا، إلى الضغط على بوتين من أجل العودة إلى الاتفاق مرة أخرى. وهذا ما أطلق المبادرة الأصلية في 2022.

اقرأ أيضاً: طوفان القمح الروسي يخفّض أسعاره العالمية إلى النصف من ذروة الحرب

لكن تحليل وضع السلع الأساسية في واشنطن وبروكسل كان خاطئاً. فبفضل الحصاد الروسي الوفير؛ انخفضت أسعار القمح في سبتمبر إلى أدنى مستوى لها منذ عامين. لذا؛ فقد التزمت دول جنوب الكرة الأرضية الصمت بشكل واضح، بل إن روسيا تحاول الآن وضع حد أدنى للأسعار، من أجل زيادة إيراداتها. وفي الوقت نفسه، تمثل الزراعة 10% من اقتصاد أوكرانيا، وهي مصدر رئيسي للعملة الصعبة. ويشكل عدم قدرتها على تصدير القمح ضربة كبيرة للجمهورية السوفييتية السابقة.

حصار خانق وقصف

منع الكرملين أوكرانيا من الهروب من الحصار البحري المفروض عليها من خلال قصف موانئ نهر الدانوب وصوامع الحبوب، حيث كانت كييف تعمل على توسيع طاقة تخزينها. كما أن محاولة أوكرانيا إنشاء ممر حبوب يخصّها، من خلال دفع السفن إلى الاقتراب من ساحل البحر الأسود لتجنب الهجوم عليها، تتسم بالشجاعة، لكن لا معنى لها. فالكميات حتى الآن صغيرة جداً.

وهذا لا يترك لأوكرانيا من أجل توصيل محاصيلها الهائلة إلى السوق سوى الطريق البري عبر شرق أوروبا. لكن سبق أن تسبب ذلك في انخفاض أسعار القمح المحلية في بولندا والمجر وسلوفاكيا وأماكن أخرى، مما أضر بدخل المزارعين.

اقرأ أيضاً: 3 دول تتحدى الاتحاد الأوروبي وتفرض حظراً على محاصيل أوكرانيا

وعندما رفع الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الحظر الذي فرضه في مايو 2023 على صادرات أوكرانيا من القمح والذرة وبذور اللفت ودوار الشمس، إلى بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، تمردت ثلاث من تلك الدول.

وتصر بروكسل وكييف على أن الأسعار لن تنخفض مرة أخرى. ولكن حتى العبور عبر بولندا وجيرانها، وهو أمر مسموح به في ظل الحظر، يمكن أن يخفض الأسعار، لأن الحبوب الأوكرانية تتنافس على القدرة التصديرية، مما يدفع المزيد من المعروض إلى الأسواق المحلية.

3 طرق

هناك ثلاثة طرق يمكن لأوكرانيا وحلفائها مواجهة حرب الحبوب التي يخوضها بوتين، ولكنها غير مواتية، وتنطوي على تحديات.

فأولاً؛ يمكنهم الانتظار حتى فبراير ومارس لمعرفة وضع محصول الموسم المقبل، على أمل أن ترتفع أسعار الحبوب العالمية مرة أخرى، وتُغلق نافذة الفرصة المتاحة لبوتين. ولكن لا ضمانات بأن الحصاد الروسي المقبل لن يكون بنفس جودة الحصاد الحالي، وفي هذه الأثناء يحتاج المزارعون الأوكرانيون إلى حالة من اليقين ليتمكّنوا من الزراعة.

اقرأ أيضاً: روسيا تحكم قبضتها على إمدادات القمح العالمية

والخيار الثاني؛ هو أن يغدق الاتحاد الأوروبي الأموال النقدية على المزارعين في شرق أوروبا، تعويضاً عن خسائرهم. وهذا يشكل سابقةً مكلفة.

أما الخيار الثالث؛ فيمكن للغرب أن يذعن لشروط بوتين لاستعادة صفقة الحبوب، من خلال رفع بعض العقوبات المفروضة على روسيا.

يساعد إحباط أوكرانيا من وقوعها بين المطرقة والسندان على هذا النحو في تفسير السبب وراء تدهور العلاقات بين كييف ووارسو بهذه السرعة. ويحتاج المزارعون في أوكرانيا إلى بيع محاصيلهم الآن، وتخشى بولندا أن يؤدي السماح بذلك إلى الإضرار بمزارعيها. ومع ذلك؛ يحتاج زيلينسكي إلى التراجع لمنع وقوع المزيد من الضرر.

بولندا داعم قوي

كان "حزب القانون والعدالة" البولندي أحد أقوى المؤيدين لكييف منذ بداية الحرب، بسبب مخاوف الحكومة العميقة من روسيا، لكن ذلك أوجد وضعاً غير مستقر بطبيعته. وأصبحت الحكومة الشعبوية القومية المناهضة للمهاجرين والمشككة في الاتحاد الأوروبي، التي تنظر إلى جيرانها نظرة تكاد تصل إلى حد الشك والريبة وبأنهم يشكلون مصدر تهديد لها، بمثابة العمود الفقري للدعم الأوروبي لكييف. فقد أرسلت بولندا ما يقل قليلاً عن 20% من مخزونها من الأسلحة للمساعدة للدفاع عن أوكرانيا، وقبلت ما لا يقل عن 1.6 مليون لاجئ، بقي نحو مليون منهم على أراضيها.

اقرأ أيضاً: بولندا تحظر مرور السيارات الروسية عبر أراضيها

وبحساب ذلك كله؛ نجد أن بولندا أنفقت من ناتجها المحلي الإجمالي لدعم أوكرانيا أكثر من أي دولة أخرى. وهذا استثمار جيد، لكن "حزب القانون والعدالة" يواجه الآن سباقاً متقارباً للحصول على تفويض جديد في انتخابات 15 أكتوبر، ويتعرض لهجوم من حزب أكثر يمينية، بسبب الكلفة الباهظة لدعم كييف. ومع تبقي أسابيع فقط على يوم الاقتراع؛ لن تتحمل الحكومة عواقب المخاطرة بدعمها القوي بين الناخبين في المناطق الريفية.

خطر إنهاك الحرب

كان ينبغي لزيلينسكي أن يفهم الناس والظروف السياسية التي يتعامل معها. وبدلاً من ذلك؛ قالت كييف إنها ستقاضي وارسو أمام منظمة التجارة العالمية، وانتقد زيلينسكي بولندا أمام الأمم المتحدة- وإن لم يكن بالاسم- لمساعدتها على "تمهيد الطريق" لموسكو. وكان أندجي دودا أكثر تشدداً، إذ شبّه أوكرانيا بالغريق الذي يحاول إغراق منقذه.

يقول المسؤولون في كييف إنهم على حق: فالدول الثلاث تنتهك القواعد التجارية للاتحاد الأوروبي، وتقوّض دولة في حالة حرب. ولكن في الظروف التي تعيشها أوكرانيا؛ فإن كونك على حق لا يشابه حالة كونك حكيماً. إذ يتعاظم خطر وقوع حلفاء كييف بالإنهاك جراء الحرب، وهو يمثل حجر الزاوية في استراتيجية بوتين لتحقيق النصر. وهو خطر لا يستطيع زيلينسكي تحمل كلفة تعزيزه.

اقرأ أيضاً: الحبوب الأوكرانية مطلوبة لكن ليس في أوروبا الشرقية

ويتعين على بولندا أن تعيد النظر أيضاً. فقد منحتها الحرب مكانة داخل أوروبا لم تحظ بها من قبل إلا نادراً. وكان لزاماً على دول مثل ألمانيا وفرنسا أن تعترف بأنها كانت مخطئة-وأن بولندا كانت أقرب كثيراً إلى الحقيقة-بشأن الخطر الذي يشكله بوتين على أمن القارة.

ربما تكون سلوفاكيا قدمت سبيلاً للتغلب على الأزمة يوم الخميس، حين وافقت على إنهاء الحظر الذي تفرضه، في حال وضعت أوكرانيا نظام ترخيص للتحكم في تدفقات الحبوب. ووافق وزير الزراعة البولندي أيضاً على إجراء محادثات للتوصل إلى حل في الأيام المقبلة، وفق بيان نشره الموقع الإلكتروني لنظيره الأوكراني.

نزاع لا ضرورة له

اعترف زعيم "حزب القانون والعدالة" ياروسلاف كاتشينسكي، صاحب السلطة الحقيقية في الحكومة البولندية، بتجاوز الحدود. وفي حديثه خلال إحدى فعاليات الحملة الانتخابية؛ وصف النزاع بأنه بغيض ولا ضرورة له، لكنه لم يغير شيئاً في دعم بولندا لأوكرانيا. وعلينا أن نأمل ألا يكون هذا مجرد دعاية انتخابية، لأنه في حال كانت وارسو على حق بشأن التهديد الروسي؛ فإن إضعاف التحالف لتحقيق مكاسب سياسية داخلية سيكون أمراً لا يغتفر.