ما هي مدن الـ15 دقيقة ولماذا أصبحت مركزية بنظريات المؤامرة؟

تهدف هذه المدن إلى تقليل الانبعاثات من خلال اختصار المسافات والوقت الذي يقضيه السكان في تلبية احتياجاتهم

امرأة تقود دراجة إلكترونية في شوارع لندن، المملكة المتحدة
امرأة تقود دراجة إلكترونية في شوارع لندن، المملكة المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يبدو وجود كل ما تحتاجه بالقرب من منزلك، من دون الحاجة إلى قيادة السيارة للوصول إليه، مفهوماً غير مثير للجدل. لكن ما يسمى بمدن الـ"15 دقيقة" أصبحت مركزية في نظريات المؤامرة حول مبدأ الحرية وتغير المناخ. على الرغم من أن الفكرة الأصلية لهذه المدن تستند إلى إعادة التفكير في التخطيط الحضري للتأكد من عدم قضاء أي شخص أكثر من 15 دقيقة بالدراجة أو سيراً على الأقدام للوصول إلى احتياجاته الأساسية، إلا أن هذا المفهوم تعرض للكثير من حملات التضليل المعلوماتي، إذ أعطت منشورات الإنترنت رؤية بائسة تزعم بأن الغاية من هذا المفهوم حبس السكان قسراً، ومنعهم من مغادرة منازلهم.

اقرأ أيضاً: بريطانيا تعطى الضوء الأخضر لتطوير حقل "روزبانك" المثير للجدل

تسربت هذه الفكرة إلى التيار الرئيسي للسياسة البريطانية. وأعرب مارك هاربر وزير النقل خلال مؤتمر "حزب المحافظين" هذا الأسبوع، عن معارضته الشديدة لخطط المجالس المحلية التي وصفها بـ"الشريرة"، والتي تهدف إلى "تحديد عدد المرات التي يمكنك زيارة المتاجر فيها، وقدرتها على تقنين من يستخدم الطرق ومتى"، مُشيراً إلى الكثير من الأحاديث التآمرية المتداولة عبر الإنترنت حول السياسة.

ما هي مدن الـ"15 دقيقة"؟

اختار كارلوس مورينو، الأستاذ في "جامعة السوربون" في باريس المصطلح في عام 2016 كوسيلة لإعادة التفكير في التخطيط الحضري للمدن. في رؤيته الأصلية، لن يستغرق وصول المواطنين إلى احتياجاتهم الأساسية مثل الأطباء أو المتاجر، أو حتى الوصول إلى وظائفهم، أكثر من 15 دقيقة سيراً على الأقدام. وُضعت هذه الفكرة من قبل عدد من المدن حول العالم، وكان عمدة باريس أحد أبرز مؤيديها، قبل أن تبدأ المنشورات التآمرية الأولى في الانتشار، أواخر عام 2022.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي يهدد أهم شريان لحركة التجارة في أوروبا

إنها ليست فكرة جديدة تماماً. إذ تم بناء الأحياء قبل التبني الجماعي للسيارات، بهذه الطريقة. روّج للمفهوم الحديث مؤخراً كجزء من الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على قيادة السيارات، خاصة في الأماكن المزدحمة، وخلق مجتمعات أكثر متعة واكتفاءً ذاتياً.

ما الذي يقوله أصحاب نظرية المؤامرة؟

وضع اتحاد من مناهضي حملات اللقاحات ونظريات المؤامرة والمؤثرين من أقصى اليمين، مفهوم مدن الـ"15 دقيقة" كمؤامرة شمولية. أشارت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن الفكرة جزء من مخطط أوسع تهدف إليه هيئات دولية مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو هدف متكرر للروايات التآمرية.

غالباً ما تقدم هذه المجموعات ادعاءات كاذبة حول السياسة، مثل فكرة منع الأشخاص من السفر أو التنقل لأكثر من 15 دقيقة بعيداً عن منازلهم.

كيف يمكن للأحياء ذات الازدحام المنخفض، أو المعروفة اختصاراً بـ"LTNs"، أن تظهر في كل هذا؟

اقرأ أيضاً: مدير "كوب 28": الدول المتقدمة عليها الوفاء بـ100 مليار دولار سنوياً لأهداف المناخ

غالباً ما تُجمع "مدن الـ"15 دقيقة" مع الأحياء ذات الازدحام المنخفض، وهو مفهوم نشأ في المملكة المتحدة وشاع خلال فترة تفشي كورونا. مع السماح بإغلاق الشوارع أمام المشاة، يدعي أصحاب نظرية المؤامرة أنها جزء من "حرب أوسع على السائقين"، تهدف إلى الحد من حرية تنقلهم.

استهدفت المجموعات نفسها سياسات الطرق الأخيرة الأخرى مثل المناطق منخفضة الانبعاثات، والتي تضع معايير أكثر صرامة أمام السيارات التي تعتمد على محركات البنزين والديزل في بعض المناطق، للحد من تلوث الهواء.

من عارض المفهوم؟

تركزت بعض المنشورات الأولى التي انتشرت بسرعة، حول النظرية المتركزة على مدينة أكسفورد في المملكة المتحدة. واجهت التدابير التي تهدف إلى التخفيف من حركة المرور، مقاومة محلية. وشهدت خطة مجلس المدينة لتقليل حركة المرور على بعض الطرق، وتقديم تصاريح للسكان تسمح بسير عدد معين من السيارات على هذه الطرق، بالإضافة إلى اقتراح منفصل لإنشاء مرافق محلية ومراكز مجتمعية كجزء من خطة مدن الـ 15 دقيقة، موجة غضب عارمة.

متظاهرون يحتجون على مدن الـ 15 دقيقة في 18 فبراير في أكسفورد، إنجلترا
متظاهرون يحتجون على مدن الـ 15 دقيقة في 18 فبراير في أكسفورد، إنجلترا المصدر: بلومبرغ

يشير النشطاء المحليون إلى تغريدة عالم النفس الكندي جوردان بيترسون، وهو صوت مؤثر بين حزب اليمين نشرها في ديسمبر 2022، هاجم من خلالها مدن الـ 15 دقيقة لتأجيج نظريات المؤامرة المرتبطة بالحملة. ظهرت اختلافات كبيرة حول هذا الرأي لاحقاً في أنحاء البلاد الأخرى، حيث تستضيف لندن وباث وحتى قرية ثيتفورد حركاتها الاحتجاجية الخاصة بها.

لكن يمكن القول إن بذرة هذه الحركة زُرعت خلال جائحة كورونا، إذ بدأت المخاوف بشأن "الإغلاق بسبب المناخ" تنتشر عبر الإنترنت في سبتمبر 2020، بعد أن بدأ المشككون في أزمة المناخ في نشر أفكار مضللة مفادها أن الوباء كان مجرد مقدمة لمؤامرة أوسع للسيطرة على الناس، وإجبارهم على التزام منازلهم. تتناسب مدن الـ"15 دقيقة" بدقة مع هذه الرواية.

لماذا تحظى مدن الـ15 دقيقة والأحياء ذات الازدحام المنخفض بأهمية واسعة؟

غيرت حكومة المملكة المتحدة مؤخراً موقفها من سياسة صافي الانبعاثات الصفرية وتغير المناخ. تناول خطاب "حزب المحافظين" بشأن المناخ طموحات الحكومة، وتضمن تدابير مثل تحديد عام 2030 كموعد نهائي لبيع سيارات البنزين والديزل الجديدة، بالإضافة إلى سياسات لتحسين العزل وتشجيع المزيد من التنقل مشياً على الأقدام أو من خلال ركوب الدراجات.

اقرأ أيضاً: سوناك قد يلغي جزءاً من مشروع خط حديدي سريع في بريطانيا

لكن بعد فوز مفاجئ في الانتخابات الفرعية في حي أوكسبريدج في غربي لندن خلال الصيف، في حملة تركزت على سياسة منطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية "ULEZ" المثيرة للجدل، بدأت الحكومة في التراجع عن الخطاب الذي ساعدها على ضمان فوزها.

ألقى رئيس الوزراء ريشي سوناك خلال الشهر الماضي، خطاباً تراجع فيه عن بعض التزامات الحكومة بتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، بما في ذلك تأجيل الحظر المفروض على مبيعات سيارات البنزين والديزل الجديدة حتى عام 2035.

قلق عارم

تشير استطلاعات الرأي إلى أنه بينما يدعم البريطانيون السياسة البيئية، إلا أنهم قلقون للغاية بشأن ارتفاع تكلفة المعيشة، لذلك سعت الحكومة إلى التركيز على الادعاءات بأن خطط صافي الانبعاثات الصفرية ستجعل الحياة أكثر تكلفة، حتى عندما يكون هناك القليل من الأدلة على أن هذا هو الحال. كما تشير استطلاعات الرأي أيضاً إلى أن الحزب قد يواجه انتخابات كارثية العام المقبل. ويسعى سوناك إلى الحفاظ على دعم بعض الناخبين الأساسيين في حزبه، بما في ذلك أصحاب السيارات، الذين يميلون إلى العيش في الضواحي والمناطق الريفية خارج معاقل حزب العمال في وسط المدن، لتجنب الخسارة.

اقرأ أيضاً: توقعات برفع فواتير المياه للمنازل البريطانية 35% بحلول 2030

هناك المزيد من الأدلة في ما قاله وزراء الحكومة لوسائل الإعلام بعد خطاب وزير النقل هاربر، ما يكشف عن تأثير الأخبار المتداولة عبر الإنترنت على الحكومة.

في هذا الإطار، قال أندرو بوي، وزير في وزارة أمن الطاقة وتصفير الانبعاثات، خلال برنامج على راديو "بي بي سي": "يتصدر هذا الموضوع النقاشات في مختلف أنحاء البلاد، فضلاً عن المناقشات في المنتديات الإلكترونية". مُضيفاً: "إذا كان الناس قلقين بشأن ذلك، فنحن بحاجة إلى معالجة هذه المخاوف بأسرع وقت ممكن".