تركيا تتحول إلى وجهة قابلة للاستثمار من جديد

وزارة المالية والبنك المركزي في البلاد يستعيدان المصداقية في إدارة الاقتصاد

جامع السليمانية، إسطنبول، تركيا
جامع السليمانية، إسطنبول، تركيا المصدر: غيتي إيمجز
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تفشِ بذلك السر لأحد، فقد أصبحت تركيا على مشارف العودة من جديد كمقصد قابل للاستثمار بالنسبة للأجانب. وبعد سنوات من التدخل في السياسة النقدية، وانهيار قيمة الليرة التركية على مدى 5 أعوام، وتحليق معدل التضخم إلى عنان السماء، هناك علامات واعدة على عودة البلاد إلى تطبيق سياسات مالية تقليدية. كما أصبح البنك المركزي واثقاً بما يكفي للترحيب بعودة الأجانب إلى الاستثمار في سندات الليرة، وألمح إلى إنهاء دورة التقشف النقدي التي شهدت زيادة أسعار الفائدة الرسمية ثماني مرات متتالية.

تغيرت إدارة السياسة الاقتصادية منذ إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو الماضي وفوزه بنسبة محدودة، واختلفت عن رؤيته غير التقليدية بأن رفع أسعار الفائدة يؤدي إلى زيادة التضخم. وكان تعيين محمد شمشيك في يونيو الماضي وزيراً للمالية والاقتصاد لدورة ثانية عنصراً جوهرياً في هذا النهج الجديد. وذلك بعد أن أقاله أردوغان في عام 2018 بعد 9 أعوام في هذا المنصب وهو المصرفي السابق في بنوك وول ستريت، فكان لعودته أثر إيجابي كبير على استقرار السوق.

ورغم أن استقالة محافظة البنك المركزي حفيظة غايه أركان من منصبها يوم الجمعة كانت ستشكل مصدر تهديد رئيسياً لذلك الاستقرار -بعدما عُينت في نفس الشهر الذي شهد تولي شمشيك منصبه وبسيرة ذاتية مبهرة- إلا أن خليفتها في المنصب نائب المحافظ فاتح كاراهان أنقذ الموقف.

فقد كان كاراهان عضواً في لجنة السياسة النقدية التي تحدد سعر الفائدة منذ يوليو، وعمل في السابق لدى "بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك" وكبيراً للاقتصاديين في "أمازون"، علاوة على قيامه بالتدريس في جامعتي "كولومبيا" و"نيويورك".

اقرأ المزيد: محافظ المركزي التركي الجديد يحمل معه خبرة من "أمازون" و"الفيدرالي"

وقال وزير المالية التركي في بيان إن "أردوغان يضع ثقته الكاملة ويمنح دعمه لبرنامجنا وفريقنا الاقتصادي".

توقعات رفع الفائدة

في مذكرة لعملائه، كتب فاتح أكسيليك، محلل بنك "جيه بي مورغان": "على الرغم مما يتسبب فيه أي تغيير مفاجئ في القيادة من انزعاج بالنسبة للمستثمرين، نرى في تعيين المحافظ الجديد للبنك المركزي التركي علامة إيجابية تساهم في دعم الليرة ومواجهة التضخم. ونتوقع رفع أسعار الفائدة لفترة طويلة وإجراءات تقشفية حكيمة على مستوى الاقتصاد الكلي".

أكد شمشيك أمام غرفة الصناعة في إسطنبول يوم الأربعاء أن السياسة النقدية تهدف إلى السيطرة على التضخم مستقبلاً، معتبراً أن سعر الليرة "تنافسي للغاية". وقد بدأت السياسة الجديدة تؤتي ثمارها، فتضاعفت قيمة حيازة الأجانب من سندات الحكومة التركية في شهر ديسمبر، مرتفعة عن أدنى مستوى في تاريخها الذي بلغ مليار دولار فقط. كما انخفضت كذلك حيازة المستثمرين الأجانب من الأسهم التركية إلى أقل من 10% من إجمالي السوق.

رفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة الأساسية (سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد) إلى 45% مقارنة مع 8.5% فقط في يونيو الماضي، مما يجعل تكلفة التحوط ضد مخاطر الليرة مرتفعة للغاية، ففرصة الاستفادة من هذه الأسعار المرتفعة للفائدة يقابلها خطر التعرض لخسائر فادحة في قيمة العملة.

المستثمرون الأجانب يضاعفون حيازاتهم بالسندات التركية بعد غياب

تقول سيلفا باهار بازيكي، الاقتصادية لدى "بلومبرغ إيكونوميكس" بتركيا، إن الميزان النسبي في هذه المقايضة قد يتحول الآن لمصلحة المستثمرين الأجانب. فعندما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في تخفيض أسعار الفائدة بالولايات المتحدة، وما يصاحب ذلك من ضعف قيمة الدولار، سيصب ذلك في صالح الأسواق الناشئة التي قد تحصد مكاسب هائلة في قيمة عملاتها وفي أسعار الأوراق المالية في أسواقها المحلية.

تتوقع البنوك أيضاً تحولاً في سوق سندات الليرة هذا العام، ومن هؤلاء "دويتشه بنك" و"بي إن بي باريبا" و"جيه بي مورغان". أما الاقتصاديون في بنك "غولدمان ساكس" فيتوقعون انخفاض أسعار الفائدة 20 نقطة مئوية مع نهاية العام الجاري، وهو الرأي الذي يتضح في منحنى العائد المعكوس بدرجة كبيرة، الذي تنخفض فيه عوائد السندات لأجل 10 سنوات إلى أقل من 25%.

مواجهة أزمات الاقتصاد التركي

يتحول تركيز البنك المركزي الآن إلى خفض حجم السيولة من الليرة في الأسواق ودعم قيمة العملة، نظراً لأن الاقتصاد مازال يواجه مشكلات كبيرة. ففي نهاية عام 2023، تدهور الحساب الجاري لتركيا نحو العجز من جديد، وهي إحدى المشكلات الاقتصادية طويلة الأمد التي شهدت تحسناً بسيطاً بعودة السياحة إلى البلاد. وتضخم عجز الموازنة الحكومية بسبب التكلفة الباهظة التي نجمت عن زلازل فظيعة ضربت تركيا. وربما ارتفع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بقيمة 100 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، غير أن هذه الزيادة بالتأكيد تنطلق من قاعدة سلبية. فقد استخدمت تركيا استراتيجية الخداع من خلال البنوك التجارية التي تسيطر عليها الدولة في العقود الآجلة لمقايضة العملة بهدف إخفاء حقيقة احتياطياتها.

فأسعار الفائدة الحقيقية في تركيا هي أكثر أسعار الفائدة الحقيقية سلبية في الأسواق الناشئة عند مقارنتها بمعدل التضخم البالغ 65%. ويرتفع معدل التضخم الأساسي بما يتجاوز 70%، أما معدل التضخم العام فسيتجاوز هذا المستوى قبل أن يتحول إلى الهبوط.

تركيا تستعد لقفزة في التضخم مع اختبار أعلى مستويات الفائدة

قفز معدل نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6% تقريباً في الربع الثالث من العام، مرتفعاً من 4% في وقت سابق، غير أن هذا المعدل لا يزال ضعيفاً للغاية حتى إنه لا يساعد البلاد على الخروج من هاوية العجز. ويتوقع محللو "جيه بي مورغان" أن تنخفض الليرة إلى 36 ليرة مقابل الدولار مع نهاية العام، مقارنة مع نحو 30.5 ليرة أمام الدولار حالياً، وإن كانت أسعار العقود الآجلة تشير إلى احتمال اقترابها من مستوى 40 ليرة أمام الدولار.

المخاطر السياسية مستمرة

تظل المخاطر السياسية قائمة في ضوء الانتخابات المحلية التي ستعقد في 31 مارس المقبل، كما أن توقعات التضخم القاتمة قد تتفاقم بسبب خطة تحفيز مالي إضافية مع اقتراب عملية التصويت. بيد أن الأوضاع الجيوسياسية تتحسن بعد موافقة أردوغان على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، والتي أعقبتها موافقة الولايات المتحدة على بيع مقاتلات "إف-16" إلى تركيا.

لدى تركيا اقتصاد من أكبر 20 اقتصاداً في العالم، ويتجاوز إجمالي الناتج المحلي للبلاد مستوى تريليون دولار. وهي حلقة وصل بين أوروبا وآسيا، ولديها طبقة متوسطة كبيرة الحجم وطموحة. وبسبب مزاياها، من المتوقع أن تظل تركيا على رادار شركات إدارة المحافظ العالمية، ولا يجب على المستثمرين انتظار أن تنقشع جميع الغيوم، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة ثمارها التي يسهل جنيها من الآن.