على المركزي الأوروبي التحرك قبل عودة ترمب المحتملة

تأخير خفض الفائدة لن يدعم طموحات الطاقة والأمن في أوروبا.. والمركزي عليه التفكير بمنطق جيوسياسي

كريستين لاغارد، ناحية اليسار، ودونالد ترمب
كريستين لاغارد، ناحية اليسار، ودونالد ترمب المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في 23 فبراير، حذر محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان من أن الحديث عن تخفيضات أسعار الفائدة في منطقة اليورو "سابق لأوانه". ولتوضيح السبب، أشاح بنظره إلى البحر الأحمر. وقال: "الخطر الرئيسي هو المخاطر الجيوسياسية... ليست لدينا خطة سلام، ليس لدينا حل"، موضحاً خطر الارتفاع الصاروخي في أسعار النفط الذي قد يعني إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لكبح التضخم.

من المعروف أن محافظي البنوك المركزية يعزفون عن المخاطرة، ويعد التفكير في الاحتمالات السيئة في عالم مليء بالصراعات جزءاً من مهمتهم الأساسية-خاصة عندما يمتد الضرر الناجم عن ضربات الحوثيين من سطح البحر فيما يبدو إلى باطنه، حيث البنية التحتية الحيوية مثل كابلات الاتصالات.

فهولزمان، وهو عضو مجلس محافظي المركزي الأوروبي، ليس الوحيد الذي يميل إلى استمرار التشديد النقدي، إذا حكمنا من خلال التوقعات الواسعة النطاق بأن البنك سيبقي أسعار الفائدة عند 4% اليوم الخميس.

التفكير الجيوسياسي

لكن مع ذلك حان الوقت للتساؤل عما إذا كان تفكير البنك المركزي الأوروبي سليماً من الناحية الجيوسياسية بينما يواجه اقتصاد منطقة اليورو الركود، وتشتد حاجته لإجراء إصلاحات ضخمة بالإنفاق في مجالي الأمن والدفاع (الذي تصل قيمته إلى 100 مليار يورو، أو 109 مليارات دولار، عبر إصدار سندات مشتركة محتملة).

ولم يتبق سوى وقت قصير قبل انطلاق ماراثون الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي قد تعيد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وتضعف العلاقات عبر الأطلسي في زمن تسوده الحروب.

غير أن تأخير تخفيضات أسعار الفائدة إلى يونيو -وهو الشهر الذي يُتوقع أن تحقق الأحزاب الشعبوية فيه نتائج جيدة بالانتخابات الأوروبية-يهدد بتقييد قدرة أوروبا على الاستثمار بمستقبلها، كما أشار رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي في الآونة الأخيرة.

كيف تضغط أزمة البحر الأحمر على البنوك المركزية في أوروبا؟

المؤشر الأوضح هو بيانات التضخم نفسها، فرغم كل ما أصاب الشحن العالمي من تعطل بسبب هجمات الحوثيين، استمر التضخم في الانخفاض، حيث بلغ 2.6% في فبراير، وتم تجاوز صدمة أسعار الطاقة، ولم تعد أسعار المواد الغذائية تمثل مشكلة. ومثلما أشارت شركة الشحن "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM) في الآونة الأخيرة، فقد تراجعت أسعار الشحن بعد ارتفاعها في بادئ الأمر خلال ديسمبر؛ ليشكل النمو الاقتصادي الضعيف حالياً الخطر الأكبر.

ارتفاع الأجور الشغل الشاغل

رغم أن ارتفاع الأجور هو الشغل الشاغل لمحافظي البنوك المركزية، لكن الدلائل تشير إلى أن نموها قد تراجع عن المعدل المرتفع الذي يجعله مبعث قلق إزاء التضخم، حسما يرى جيمي راش ومايفا كازين من "بلومبرغ إيكونوميكس".

وكتب المحللان عن ذلك: "سوق العمل تتباطأ، ومن المتوقع تراجع وتيرة نمو الأجور، مع انتهاء نمو أرباح الشركات، كما اختفت مشكلة الطلب المفرط على ما يبدو". وانخفض معدل نمو الأجور المتفاوض عليها في منطقة اليورو نهاية العام الماضي، وتشير بيانات أحدث من موقع نشر الوظائف على الإنترنت "إنديد دوت كوم" (Indeed.com) إلى تراجع أوسع نطاقاً خلال الأشهر الستة الماضية. ويبدو أن الخروج من "دوامة الأجور والأسعار" المخيفة أصبح الآن ممكناً بعد ركود لسنوات.

اقتصاد منطقة اليورو يفقد الزخم وسط ضعف آفاق النمو

قد لا يبدو اتخاذ الحيطة والحذر وتثبيت أسعار الفائدة بالأمر الجلل. ولكن الثمن هو المزيد من فقدان النمو مع تقلص الطلب على القروض وثبات الاستثمار التجاري (من المتوقع أن يبلغ إجمالي الاستثمار الثابت في منطقة اليورو 0.1% هذا العام).

وفي نهاية المطاف، يعني الإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة أيضاً ضعفاً من الناحية الجيوسياسية بسبب عدم وجود "مجال" للميزانيات المستنزفة للاستثمار، كما حذر دراغي.

وينبغي أن يدق الأداء الضعيف للاقتصاد الأوروبي مقارنة بأداء نظيره الأميركي ناقوس الخطر، وخاصة قبل رئاسة ترمب الثانية المحتملة. فالاقتصاد الألماني القائم على التصدير أقل قليلاً مما كان عليه في نهاية 2017، من حيث الاستثمار الخاص واستهلاك الأسر، بحسب نيكولاس غويتزمان الخبير الاقتصادي بمؤسسة "فينانسيير دي لا سيت" (Financiere de la Cite).

فزاعة ترمب

إن تهديد ترمب برفع الرسوم الجمركية على جميع الواردات الأميركية إلى 10% إذا فاز، يجب أن يكون دعوة لليقظة، والتركيز على جعل أوروبا (وألمانيا على وجه التحديد) أكثر مرونة اقتصادياً وأكبر اعتماداً على الذات من الناحية الجيوسياسية.

رغم أن المتشككين سيقولون إن هذا الأمر من اختصاص الحكومات والساسة أكثر من كونه مهمة البنك المركزي الأوروبي، الذي يركز على استقرار الأسعار. ولكن من الواضح أن رئيسة البنك كريستين لاغارد لا تمانع في الخوض في موضوعات مثل المناخ أو ترمب.

وفي خطاب ألقته في الآونة الأخيرة، أدرجت مبادرات محتملة مثل تشكيل اتحاد لأسواق رأس المال، أو اتحاد مصرفي أوثق كوسيلة لدعم الدور العالمي للكتلة الأوروبية.

وهذا يعني أن الوقت قد حان للاعتراف بأن البنك المركزي نفسه لديه أيضاً دور يلعبه: فمثلما حدث أثناء جائحة كورونا، تدعو توقعات النمو الضعيفة في أوروبا إلى "توحيد القوى" بين السياسة النقدية والمالية، على حد تعبير دراغي. وخفض أسعار الفائدة عاجلاً وليس آجلاً سيكون مجرد البداية.