اليورو يتجه إلى التراجع لمستوى التعادل مع الدولار

الفوارق في أسعار الفائدة وتوقعات النمو ترجح كفة الدولار على العملة الأوروبية الموحدة

أوراق نقدية من عملة اليورو
أوراق نقدية من عملة اليورو المصدر: غيتي إيمجز
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

صمدت العملة الأوروبية الموحدة صموداً ملحوظاً أمام الدولار الأميركي على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة الرسمية في منطقة اليورو وضعف اقتصادها ضعفاً واضحاً مقارنة مع الولايات المتحدة.

فأكثر زوج من العملات انتشاراً في أسواق النقد الأجنبي لا يشهد تداول اليورو فحسب عند مستوى متوسط العام الماضي الذي يبلغ 1.085 دولار، وإنما كذلك بالقرب من متوسطه في خمسة أعوام البالغ 1.11 دولار.

غير أن العملة الأوروبية المشتركة لا تستطيع تحدي قوى الجاذبية إلى الأبد – لذلك فإن احتمال عودتها للحركة باتجاه التعادل مع العملة الخضراء يبدو أقوى من غيره على مدى العام الجاري.

سجل معدل تقلب سعر الصرف أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2021 عند حوالي 6.6%، بعد هبوطه من نحو 11% قبل عام، كاشفاً بذلك عن المدى الذي وصلت إليه السوق من الهدوء والاستقرار. بيد أن هذه الحالة من الهدوء والسلام قد يتكشف أنها عابرة وانتقالية، إذ يبدو اليورو في خطر متزايد في ضوء حقيقة أن دورات الركود وخفض أسعار الفائدة تميل إلى توجيه الضربة الأعنف إلى الجانب الأضعف.

اقرأ أيضاً: اليورو يصعد أمام الدولار لأعلى مستوى في 6 أشهر

تُحرّك قيم العملات قوتان رئيسيتان، هما أسعار الفائدة النسبية عند البنوك المركزية، وآفاق النمو الاقتصادي ذات الصلة. هاتان القوتان تضعفان في أوروبا بوتيرة أسرع مقارنة مع الولايات المتحدة. ولا يقتصر الأمر هنا على المقاييس المطلقة، بل يمتد إلى الكيفية التي تضيق أو تتسع بها هذه الفوارق التي تؤثر عادة على أسواق النقد الأجنبي. فعلى كل مقياس منهما، يبدو موقف الولايات المتحدة متفوقاً، بالإضافة أيضاً إلى الدعم الذي يستمده الدولار من مكانته كعملة الاحتياطي الدولية.

الاستثمار في اليورو

أحد العوامل البارزة الأخرى هو موقف المستثمرين. يتتبع نظام "آي فلو" (iFlow) الخاص بـ"بنك أوف نيويورك ميلون" حيازات عملاء الحفظ العالمية التي تبلغ قيمتها 46 تريليون دولار أميركي، وهي الأكبر في العالم. وبصفة عامة، يكشف هذا النظام أن العملاء لا يزالون يحتفظون بوزن نسبي أكبر لليورو في محافظهم. ويتوقع جيفري يو، كبير المحللين الاستراتيجيين في البنك، عودة اليورو والدولار إلى التعادل، ليس لأسباب اقتصادية ونقدية أساسية فحسب، وإنما لأن المستثمرين يتحولون بسرعة عن المراكز الشرائية الكثيفة لليورو.

أدى التخارج الكبير من العملة الموحدة وسط صدمة أسعار الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تراجعها عن سعر التعادل مع الدولار خلال معظم الأشهر الأخيرة من عام 2022. وقد تحول ملاك الأصول بشكل مطرد إلى اليورو مرة أخرى خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، ولكن حماسهم بدأ يفتر حالياً.

ويرى يو أن المستثمرين كانوا يلجؤون إلى حيازة اليورو لموازنة مخاطر التعرض المفرط للأسواق الأميركية الأفضل في أدائها. غير أن الأصول التي تنطوي على مخاطرة مثل أسهم التكنولوجيا الأميركية، تعتبر بشكل متزايد رهاناً مؤكداً في اتجاه واحد، ومن ناحية الأصول التي لا تنطوي على مخاطرة، يصعب مقاومة إغراء العائد على سندات الخزانة الأميركية الذي بلغ 5.4%. ولذلك، ربما لا يصبح الميل إلى زيادة الوزن النسبي لليورو في محفظة الاستثمار هو الخيار الأمثل بعد الآن.

تختلف الآفاق الاقتصادية النسبية لأكبر كتلتين تجاريتين في العالم اختلافاً ملحوظاً، وهي لم تختلف فقط في الماضي القريب، وإنما كذلك في توقعاتها المستقبلية. إن المدى الذي وصلت إليه قوة اليورو يدعو إلى الحيرة نوعاً ما، ولكن ما يفسر ذلك جزئياً هو الزيادة بنسبة 2.5% في قيمته المرجحة بالتجارة في العام الماضي، مدعوماً بالضعف النسبي لعملات بعض أسواق التصدير الكبرى مثل الصين وروسيا.

توقعات التضخم والنمو

يشهد التضخم انخفاضاً مطرداً على مستوى العالم. وبلغت مؤشرات أسعار المستهلكين في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ذروتها عند ما يزيد قليلاً عن 9% في الفترة من منتصف إلى أواخر عام 2022، وقد شهد فبراير انخفاض التضخم في منطقة اليورو إلى 2.6%، وهو أقل من رقم التضخم في الولايات المتحدة الذي بلغ 3.1%.

ولكن في ما يتعلق بتوقعات النمو، لا توجد منافسة. أظهر استطلاع مصرف "دويتشه بنك" الشهري للعملاء تحولاً مطرداً من القلق الذي ساد خلال العام الماضي بشأن ركود اقتصادي وشيك في الولايات المتحدة، إلى أغلبية كبيرة تتوقع الآن إما هبوطاً سلساً مع بقاء النمو إيجابياً، أو عدم حدوث أي هبوط على الإطلاق. فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الأخير من العام الماضي بوتيرة سنوية بلغت 3.2%، بينما شهد اقتصاد منطقة اليورو ركوداً.

علاوة على ذلك، لم يزل مستقبل منطقة اليورو قاتماً. والأكثر إثارة للقلق هو أن ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، تعاني من انهيار في الصادرات ونهاية عصر الطاقة الروسية الرخيصة. ومن المحتمل أن يكون اقتصادها قد عاد إلى الركود في بداية هذا العام، والذي لا يبدو أنه يخرج منه حالياً خروجاً مفاجئاً. أما بقية دول التكتل فهي إما في ركود أو تقترب من الركود، مع تصور ضعيف للأداء خلال السنوات القليلة المقبلة على الأقل. ويتوقع الاقتصاديون نمواً بنسبة 0.5% فقط هذا العام، مقارنة مع 2.2% للولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: انكماش أكبر اقتصادين في منطقة اليورو يعرقل نمو التكتل

أسعار الفائدة

في ما يتعلق بأسعار الفائدة، يتحدث البنك المركزي الأوروبي كثيراً عن خفض سعر الفائدة على الودائع في يونيو. وقد حاولت رئيسة البنك كريستين لاغارد بإصرار وشجاعة محاصرة التوقعات بشأن ما سيحدث بعد ذلك، ولكن السوق ليست في وضع يسمح بالإنصات، وما أن يقوم البنك بأول تخفيض للفائدة، فإن التوقعات تذهب عادة إلى ترجيح سلسلة من التخفيضات التالية.

مايزال الاحتياطي الفيدرالي يتحدث بلهجة هادئة عن سياسة نقدية تيسيرية أكثر هذا العام، ولكن الأمر يعتمد حقاً على البيانات. والاقتصاد الأميركي لم يزل نشطاً وقوياً بما يكفي لاستمرار مخاوف التضخم. وقد يقوم كلا البنكين المركزيين بخفض أسعار الفائدة في يونيو، ولكن في حين أن سوق العقود الآجلة تضع احتمالات تحرك الاحتياطي الفيدرالي عند 63%، فإن احتمال قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض الفائدة يبلغ 84%.

يبدو أن ضعف العملة الموحدة هو المسار الأيسر في اتجاهات أسواق النقد الأجنبي. وقد يسر مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بمشاهدة ضعف اليورو بوتيرة سلسة، إذ يدعم ذلك اقتصاد منطقة اليورو القائم على التصدير. وسيرغب البنك المركزي الأوروبي في تجنب أي ترنحات مفاجئة نحو الانخفاض، ولكن التجاهل الحميد لحركة اليورو قد يشكل جزءاً من استراتيجية البنك المركزي في الأشهر المقبلة.