"أديداس" ما بعد "ييزي"

انهيار شراكة "أديداس" المدرّة للأرباح مع كانييه ويست يجبرها على البحث عمّا يعوض ذهاب نصف أرباحها

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتكدس ملايين الأزواج من أحذية "ييزي" الرياضية في مستودعات تنتشر من الولايات المتحدة إلى الصين بانتظار بيعها.

تأتي تلك الأحذية الرياضية بتصاميم متنوعة، فمنها ما يشبه السترات الدافئة التي تغطي العنق، وأخرى نعلها يشبه المسنّنات، فيما يبدو نعل بعضها كما لو كان غيمة.

في يوم من الأيام، كانت تلك الأحذية تُطرح بنسخ محدودة وتنفذ كميتها بسرعة خاطفة، حتى أنها كانت تحقق مبالغ أعلى بكثير من سعرها الأصلي لدى إعادة بيعها على مواقع مثل "ستوك أكس" (StockX ) و"غوت" (Goat). لكنها اليوم تنتظر مصيرها بعد مرور سبعة أشهر على واحدة من أكبر السقطات في عالم الشركات.

لم تستطع شركة "أديداس" صاحبة هذه الأحذية أن تتوصل إلى قرار سهل حول ما ستفعله بكلّ ذلك المخزون من الأحذية التي باتت موصومة، وكان قد أنتجها كانييه ويست المعروف اليوم باسم "يي"، الذي كان حتى وقت ليس ببعيد واحداً من أبرز شركائها. تقدّر القيمة الإجمالية لهذه الأحذية الرياضية بحوالي 1.3 مليار دولار.

غلاف عدد المجلة الذي ورد فيه هذا التقرير
غلاف عدد المجلة الذي ورد فيه هذا التقرير المصدر: بلومبرغ

اعتماد مفرط

أمضى كبار المديرين التنفيذيين في مقرّ "أديداس" المطلّ على بلدة هيرتزوغيناوراخ، التي يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، أشهراً يفكرون بما سيفعلونه بمعضلة مخزون الشركة من أحذية "ييزي".

تبادر لهم أن يزيلوا شعار "ييزي" عنها زوجاً زوجاً، لكن ذلك يتطلب كثيراً من الجهد، كما فكروا بأن يتبرعوا بها لصالح ضحايا الكوارث في بلدان مثل تركيا وسوريا، إلا أن ذلك قد يفضي لتهريبها، فيما أن إضرام النار بها سيكون أحد أكبر عمليات الحرق لمنتجات الموضة في العالم ويسبب كارثة بيئية.

يمكن أيضاً تفتيتها إلى بلاستيك وصنع أحذية جديدة بواسطة تلك المواد، إلا أن هذه العملية بالغة التعقيد، فارتأت الإدارة أخيراً أن تستأنف بيع تلك الأحذية وأن تتبرع بجزء من الإيرادات إلى جمعيات خيرية، وباشرت ذلك ببيعها في نهاية مايو.

اعتمدت "أديداس"، إحدى أكبر الشركات في ألمانيا، بشكل مفرط وخطير على شخص واحد من أجل تحقيق أهداف مالية ضخمة. إلا أن "يي" خرج عن طوره في أكتوبر، وأدلى بعديد من التصريحات المنفلتة بينها تعليقات معادية للسامية، فلم يكن أمام "أديداس" أي خيار سوى إنهاء شراكتها مع "ييزي" المقدّرة قيمتها بمليارات الدولارات لتخسر حوالي نصف أرباح الشركة في لحظة واحدة.

حين حُلّت تلك الشراكة، كانت تلك الأحذية تسهم بـ8% من إجمالي إيرادات "أديداس" و40% من أرباحها، حسب تقديرات مصرف "مورغان ستانلي".

الأفظع أن انهيار الشراكة كشف عن مشاكل عميقة في "أديداس" كان نجاح "ييزي" قد ساعد على إخفائها. فلم يكن جائزاً من الأصل أن يسهم يي بكلّ هذا القدر من الأرباح.

لم تصل إسهاماته إلى هذا الحدّ فعلاً إلا حين حصلت انهيارات في أقسام أخرى من الشركة، فقد انحرفت دورات الإنتاج لدى "أديداس" عن السكة فغمرت السوق بمنتجات اعتقدت أنها واعدة، ولجأت في كثير من الأحيان إلى منتجاتها التقليدية القديمة.

كما لم يحقق التعاون مع بيونسيه و"برادا" الهدف منه، وارتكبت قيادة الشركة أخطاء جسيمة في إعداد استراتيجيتها للتعامل مع الوباء، ثمّ تعثّرت في اثنين من أكبر أسواقها في الخارج.

"أديداس" تفشل بتجميد 75 مليون دولار في قضية أحذية "ييزي"

إعادة هيكلة

تنتظر "أديداس" اليوم مستقبلاً بلا "ييزي". قرر مجلس المشرفين على الشركة في الخريف أن تدفع 17 مليون دولار لتقيل رئيسها التنفيذي كاسبر رورستيد قبل انتهاء عقده بثلاث سنوات. بدل المراهنة على رئيس تنفيذي طموح وصاحب رؤية، قام المجلس برهان أكثر عقلانية، واختار بيورن غولدن، الرئيس التنفيذي السابق الناجح لمنافستها "بوما"، التي يقع مقرّها في الطرف المقابل من البلدة.

درس غولدن حسابات "أديداس" لبضعة أسابيع في فبراير قبل أن يعلن أحد أحلك التوقعات المالية في تاريخ الشركة.

تتوقع "أديداس" أن تتكبّد خسارة قدرها 700 مليون دولار هذا العام، وهي أول خسارة تشغيلية لها منذ بداية التسعينات. قبل أن تبدأ الشركة بالتفكير بنموّ مدرّ للأرباح، هي مضطرة لتقديم حسومات ضخمة كي تتخلص من أحذية وملابس رياضية غير مباعة تتجاوز قيمتها 6 مليارات دولار، كانت قد تراكمت لديها بسبب تعقيدات في سلاسل الإمداد والمبالغة في تقدير الطلب ومشاكل أخرى يواجهها القطاع تمكّن كثير من منافسيها من تخطّيها.

قال جين ويرنينغ، مسؤول الإشراف وأسواق رأس المال المعنية بالبيئة والمجتمع وحوكمة الشركات في "يونيون إنفستمنت" (Union Investment) الألمانية، التي تساهم في "أديداس" إن الشركة "تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة بعد كارثة (ييزي)... بعد تلك السنوات الضائعة، ينتظر غولدن الكثير من العمل".

بعد مضي ثلاثة أشهر على تولّي غولدن رئاسة الشركة، جمع رهطاً من الصحافيين وطواقم القنوات التلفزيونية في مارس، ليقدّم نفسه. أطلق النرويجي الودود طويل القامة، وهو إداري متمرّس في خفض مدى التوقعات، عملية إعادة تأهيل للعلامة التجارية.

أعلن أن "أديداس" أكبر من مجرد مجموعة أزمات، بل هي ثاني أكبر شركات الأحذية الرياضية عالمياً وتتخطى مبيعاتها السنوية 24 مليار دولار، وعلامة تجارية متجذرة في التاريخ أكثر من منافستها "نايكي"، ولديها موارد تحسدها عليها أي علامة تجارية أصغر حجماً.

تعهّد غولدن بتسريع عمليات اتخاذ القرار في الشركة ليمكنّها من مواكبة آخر صيحات الموضة مع اشتداد الطلب عليها. قال بعدما رمى نحو الحضور كرة قدم كان يركلها بقدم ليتلقفها بالأخرى: "سنعود لنكون أفضل علامة تجارية في عالم الرياضة".

لكن غولدن لم يسعه تقديم أجوبة سهلة على أسئلة بشأن "ييزي،. فقد أثنى على الشراكة من منطلق تصميم المنتجات والتوزيع والتسويق، قائلاً: "كان ذلك خليطاً رائعاً، لكن للأسف فقدناه الآن، وعلينا استبداله بكثير من المنتجات".

منافسة "بوما" و"نايكي"

فيما أن "أديداس" و"نايكي" خصمان لدودان، إلا أن للمعركة بين "أديداس" و"بوما" طابع شخصي. كان أدولف "أدي" داسلر وشقيقه رودلف، عضوين في الحزب النازي ويملكان مصنع أحذية حين وقع بينهما خلاف مرير خلال الحرب العالمية الثانية، حيث توجّه رودلف للقتال في بولندا وبقي أدي في بلدته ليدير المصنع.

أنشأ رودلف بعدها شركته: "بوما" في 1948، فيما أنشأ أدي شركة "أديداس" في العام التالي. تسبب هذا الخلاف بشرخ في الأسرة وبانقسام في بلدة هيرتزوغيناوراخ – أو هيرتزو كما يسمّيها السكان المحليون، الذين استقطبتهم العداوة بين الأخوين، إذ كان آلاف منهم يعملون لدى كل من الأخوين.

هيمن آل داسلر على عالم الرياضة، من كرة السلة إلى الجري حتى الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، طوال عقود في فترة ما بعد الحرب، إلا أن التنافس الشرس بينهما على الحصة السوقية وحق التبجح حال دون أن يتنبها لسطوع نجم شركة جديدة في ولاية أوريغون خلال السبعينات.

توفي أدي داسلر في 1978 بسبب قصور في القلب بعد أربع سنوات من وفاة أخيه، فلم يشهد إزاحة شركته عن عرشها كما أن هذا حصل قبل بضعة سنوات من اتخاذ "أديداس" قراراً سيلاحقها على الدوام.

أدي داسلير يحمل حذاء "أديداس" عام 1973
أدي داسلير يحمل حذاء "أديداس" عام 1973 المصدر: غيتي إيمجز

في عام 1984، درست كلّ من "أديداس" و"نايكي" احتمال توقيع عقد مع نجم كرة سلة صاعد يلعب في دوري الجامعات يدعى مايكل جوردن، قبل أن تطأ قدماه أرض ملاعب الرابطة الوطنية لكرة السلة. لم تكن عقود الرعاية المرتبطة بالأحذية الرياضية أمراً جديداً في حينها.

حتى هناك رواية شهيرة عن أن أدي داسلر أقنع جيسي أوينز بارتداء حذاء رياضي من صنعه في دورة الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936. كان آل داسلر أيضاً روّاد الأزياء اليومية المستوحاة من تلك الرياضة، فقد طرحت "بوما" على سبيل المثال حذاء كرة السلة واسع الشعبية سُميّ تيمناً بلاعب كرة السلة وولت كلايد فريزر، لتعود وتصبح "أديداس" بعدها أول علامة تجارية تقارب الثقافة الشوارعية، حيث دفعت لفرقة الهيب هوب "ران – دي أم سي" (Run-DMC) كي ترتدي بزاتها الرياضية وتروّج للشركة من خلال أغنية (My Adidas) في منتصف ثمانينات القرن الماضي.

عرض مسؤولا تسويق لامعان لدى "نايكي" هما روب ستراسير، المعروف بـ"رولينغ ثاندر" وبيتر مور صفقة رعاية غير مسبوقة على جوردن، تتضمن نسبة من العوائد وراتباً سنوياً ضخماً وعلامة تجارية للأحذية خاصة به تحمل اسم "إير جوردان" (Air Jordan). رغم أن جوردان كان من أشدّ المعجبين بـ"أديداس" إلا أن الشركة لم تكن مستعدة لدفع مثل هذه المبالغ الطائلة.

في السنة التي طُرح فيها حذاء "إير جوردان" للمرّة الأولى، بلغت إيرادات "نايكي" 126 مليون دولار من خطّ الأحذية هذا، حسب وكيل جوردان. بحلول نهاية الثمانينات، كانت "أديداس" قد تراجعت إلى المرتبة الثالثة في القطاع خلف "نايكي" و"ريبوك".

انطلاقة جديدة

أحدثت الشراكة بين "نايكي" وجوردان خضّة في قواعد لعبة قطاع الأحذية الرياضية. قبل أن تفوّت "أديداس" عليها صفقة جوردان، كان حوالي 75% من لاعبي كرة السلة ينتعلون أحذيتها المخططة على أرض الملعب. لكن سرعان ما هيمنت "نايكي" بشكل شبه كامل على لعبة كرة السلة. نظراً للأهمية الثقافية التي تحظى بها هذه اللعبة في الولايات المتحدة التي تعدّ أكبر سوق رياضية في العالم، كان لهذا التحوّل صدى واسعٌ. فقد اشتكى موظفو "أديداس " في الولايات المتحدة لسنوات من إخفاق قيادة الشركة في ألمانيا في تقدير أهمية الثقافة الأميركية.

أعضاء فرقة "ران – دي أم سي" يرتدون بزات "أديداس" الرياضية عام 1986
أعضاء فرقة "ران – دي أم سي" يرتدون بزات "أديداس" الرياضية عام 1986 المصدر: غيتي إيمجز

استغرق الأمر حتى نهاية التسعينيات، بعدما فقدت عائلة داسلر السيطرة على "أديداس" وانتقل ستراسير ومور إليها حتى استعادت جاهزيتها للمواجهة. يُروى أنه حين زار مور مقرّ "أديداس" أذهله أرشيفها من المنتجات، بينها الحذاء الأبيض ثلاثي الخطوط الذي انتعله أسطورة الملاكمة محمد علي. قال مور مستذكراً "هذا الرجل، أدي، كان أباً 90% من هذا القطاع"، حسب ما أوردته مجلة "بورتلاند مونثلي". أمّا الأمر الثاني الذي خطر له فكان "كيف أخفقت (أديداس) إلى هذا الحدّ؟".

قدّم ستراسر ومور خطاً جديداً من الأحذية الرياضية والملابس بتصميم بسيط بلا تعقيد، مستوحى من ماضي العلامة التجارية الذي يركّز على الأداء. إلا أن ستراسر توفيّ فجأة بسبب قصور في القلب عن 46 عاماً، وتولّى مور لفترة وجيزة رئاسة عمليات "أديداس" في الولايات المتحدة، فيما شغل رجل الأعمال الفرنسي الثري روبير لويس-دريفوس منصب رئيسها التنفيذي وأدرج أسهم الشركة في البورصة. ثمّ خلفه المدير التنفيذي الألماني هيربيرت هاينر الذي اشترى "ريبوك" مقابل حوالي 3.8 مليار دولار في محاولة للمنافسة مع "نايكي" في السوق الأميركية.

من بين الموظفين الكثر الذين درّبهم مور في "أديداس"، برز سبّاح هزيل طويل القامة يدعى إيريك ليدتكي كان يعمل في مكتب الشركة في بورتلاند، وقد انتقل إلى ألمانيا، حيث أشرف على تقنية "بوست" (Boost) التي تقوم على نعل موسّد إسفنجي طوّرته "أديداس" بالتعاون مع شركة الكيماويات الألمانية "بي إيه إس إف" (BASF).

هكذا وأخيراً أصبح في متناول "أديداس" رديف لأحذية "إير" المصممة بنعل متوسط بين النعل الداخلي والخارجي، ما أحدث ثورة في منتجات أحذية الجري من "أديداس". في 2014، عُيّن ليدتكي كأول أميركي يترأس قسم العلامات التجارية العالمية في الشركة. يستذكر قائلاً: "أتاني هيربيرت هاينر قائلاً: إيريك، عليك أن تعيد هيكلة العلامة التجارية، افعل ما يستلزمه الأمر ولا تطلب مني الإذن بل النصيحة". هكذا انطلق ليدتكي لصنع رديف "أديداس" من أحذية جوردن.

إيريك ليدتكي، الرئيس السابق للعلامات التجارية في "أديداس" مع يي في استوديوهات "ميلك" في هوليوود عام 2016
إيريك ليدتكي، الرئيس السابق للعلامات التجارية في "أديداس" مع يي في استوديوهات "ميلك" في هوليوود عام 2016 المصدر: غيتي إيمجز

انتقال كانييه ويست

لطالما كان كانييه ويست معجباً بـ"نايكي" وليس "أديداس". في نهاية 2006، أي بعد أقلّ من عام على تعيين مارك باركر رئيساً تنفيذياً لـ"نايكي"، دعا ويست للغناء في قاعة "غوثام هول" في مانهاتن أمام حشد من المشاهير، بينهم المخرج سبايك لي وأسطورة فريق "نيويورك نيكس" باتريك إيوينغ، للاحتفال بمرور 25 سنة على طرح خطّ أحذية "إير فورس 1" من "نايكي".

عُرض خلال الحفل ألف زوج من تلك الأحذية على امتداد القاعة. التٌقطت بعدها صورة لويست على متن طائرة خاصة وهو يرسم مقترحات أحذية لـ"نايكي" برفقة باركر .

على مدى الأعوام التالية أصدر مغني الراب عدّة ألبومات، وطوّر بالتعاون مع "نايكي" حذاء "إير ييزي". طُرح الحذاء في 2009 وتلاه إصدار ثان بعد ثلاث سنوات. وما تزال هذه الأحذية حتى اليوم من أكثر الأحذية المرغوبة على الإطلاق، وقد يصل ثمن حذاء "نايكي إير ييزي 2 ريد أكتوبر" الذي يبلغ الكاحل ويبدو كحذاء رياضي بلاستيكي بلون الفراولة صنعته طابعة ثلاثية الأبعاد إلى 15 ألف دولار.

 بيع زوج أحذية من نوع "نايكي إير ييزي" بـ1.8 مليون دولار في مزاد
بيع زوج أحذية من نوع "نايكي إير ييزي" بـ1.8 مليون دولار في مزاد المصدر: غيتي إيمجز/ وكالة أنباء الأناضول

إلا أن العلاقة بين ويست و"نايكي" تدهورت بعد مطالبته بحصة من الأرباح عن كلّ زوج أحذية يُباع. قال بعد انتهاء العلاقة بينهما: "أخبروني في (نايكي) أنه لا يمكنهم إعطائي حصة من الأرباح لأنني لست رياضياً محترفاً... أجبت: فلنذهب إلى قاعة غاردن لأقدم عرضاً أحادياً... أنا رياضي استعراضي".

التقى ويست سراً بمسؤولين من "أديداس" في نيويورك خلال جلسة إعداد لبرنامج جيمي فالون الحواري. سرعان ما تمكّن من الحصول على صفقة غير مسبوقة منحته استقلالية في استوديو تصميم خاص به وبدل أتعاب عن الترويج للمنتجات وحصة من أرباح المبيعات. مُنح هاينير ويست الصلاحيات الواسعة التي كان متعطشاً إليها. في الربيع التالي، تزوّج ويست من كيم كاردشيان في قلعة في توسكانا تعود إلى عصر النهضة، وغنّى أندريا بوتشيلي للعروس في إطلالتها الأولى.

كان مسؤولون تنفيذيون في "نايكي" قد حذّروا نظراءهم في بورتلاند من صعوبة العمل مع ويست، حتى أن ويست نفسه لم يخفِ ذلك. إذ توجّه للجمهور في قاعة "ماديسون سكويرت غاردن" خلال جولة غنائية عام 2013 قائلاً: "لا يوجد أي نوع من الشراكات يمكن أن يسلبني صوتي... سأصرخ من على أعلى قمّة جبل إن شئت". تجاهلت "أديداس" تلك التحذيرات بعدما اتضح لها أنها ارتبطت بنجم قادر على إحداث تحولات كبرى.

مباشرة بعد طرح أول دفعة من أحذية "ييزي" من "أديداس"، بدأ ويست أيضاً بانتعال أحذية "أولترابوست" من تصميم الشركة، وسرعان ما لقيت تلك الأخرى إقبالاً واسعاً. أمّا حذاء "ييزي بوست 350" الذي نفذت الكمية المعروضة منه خلال 12 دقيقة فقط من طرحها، فاختارته مجلة "فوت ووير نيوز" في 2015 ليكون "حذاء العام".

فترة ازدهار

وقعّت "أديداس" على اتفاقية جديدة مع ويست في 2016 مدّتها عشر سنوات، شملت خططاً لتوسيع تصاميم "ييزي" وافتتاح متاجر بيع بالتجزئة ودخول أسواق إضافية. في إطار هذه الاتفاقية، لا يعمل ويست موظفاً لدى "أديداس"، بل تعمل "ييزي" كمؤسسة مستقلة تكسب المال من كلّ حذاء يُباع. كان لدى المغني طاقم موظفين تابعين له في لوس أنجلس وخبراء تسويق وكان حراً في العمل على مشاريع أخرى وتقديم عروض أزياء خاصة به، وقد تعاون موظفوه عن كثب مع طاقم "ييزي" المحلي الجديد التابع لـ"أديداس" في بورتلاند.

شهدت "أديداس" حينذاك أفضل فتراتها منذ عقود، بعدما أسهمت تقنية "بوست" بتعزيز مبيعاتها من أحذية (NMD R1) الرياضية. كما ظهرت نجمة عرض الأزياء جيزيل بوندشين في مجلة "فوغ باريس" عاريةً تنتعل حذاء "ستان سميث"، ما أسهم في زيادة الإقبال على حذاء التنس من"أديداس".

كما أسهم فاريل ويليامز في ضخّ دم جديد في خطّ أحذية "سوبر ستار" لكرة السلة التي انتعشت مجدداً. وقد ارتفعت مبيعات "أديداس" بأكثر من الثلث لتصل إلى 21 مليار دولار بين 2013 و2016.

إلا أن بعض المستثمرين اشتكوا من مبالغة الشركة في الإنفاق كي تظهر أنها على الموضة. في رأيهم، إذا لم تقدر "أديداس" أن تصل إلى حجم "نايكي"، فعلى الأقل يجب أن تكون مدرّة للأرباح. لذا حين بدأ مجلس مشرفي "أديداس" بحثهم عن رئيس تنفيذي بديل لهاينيير، لم يختاروا ليدتكي، بل وقع خيارهم على شخص لا يمكن التنبؤ بقراراته هو الدانماركي كاسبر رورستيد، خبير المحاسبة الذي سبق أن عمل لدى "أوراكل" و"هيوليت – باكارد" وشركة منتجات التنظيف الألمانية "هينكل".

تخلّى رورستيد سريعاً عن الأقسام غير الأساسية في "أديداس" وبنى عملياتها في مجال التجارة الإلكترونية للتخلص من متاجر التجزئة الوسيطة.

ظهر في بادئ الأمر أنه يقوم بالأمور بشكل جيد، فقد ازدادت أرباح "أديداس" وارتفعت أسعار أسهمها. كما اختارته مجلة ألمانية متخصصة بالأعمال كأفضل رئيس تنفيذي في ألمانيا. لكن الضالعين في القطاع راحوا يلاحظون تصدّعات في الشركة مع فقدان المتسوقين اهتمامهم بالمنتجات القديمة المكررة. أغرقت "أديداس" المتاجر بأحذية "ستان سميث"، ثمّ اضطرّت لسحبها حين اتضح لها أنها وزعت كميات فائضة في السوق. وهكذا فجأة لم يعد لدى "أديداس" منتجات جذابة بخلاف "ييزي".

"ييزي" تتخطى حاجز المليار

منذ بدأت علامة "جوردان" التجارية صعودها لتدرّ 5 مليارات دولار سنوياً، أصبحت الشراكات مع المشاهير ممارسة اعتيادية لدى شركات الملابس الرياضية. يدعم النجوم خطوط إنتاج تقدر قيمتها بملايين الدولارات، مثل ستيفن كوري مع "أندر أرمور" وليبرون جيمس مع "نايكي"، ويقيمون أيضاً علاقات شخصية مع المديرين التنفيذيين.

مثلاً، حين حطّم جيمس الرقم القياسي لعدد النقاط التي سجلها لاعب في دوري الرابطة الوطنية لكرة السلة في فبراير في لوس أنجلس، وكان مؤسس "نايكي" الملياردير فيل نايت حاضراً إلى جانب أرض الملعب، حيث تعانقا بعد المباراة. قال له جيمس: "أنا سعيد جداً لأنك كنت حاضراً يا أخي"، فأجاب نايت مبتسماً: "يستحيل أن أفوّت هذا".

إلا أن العلاقة بين ويست وروستيد لم تكن قريبة إلى هذا الحدّ، فلم يزعم الرئيس التنفيذي قطّ أنه خبير بالأحذية الرياضية وقال إنه لا يرغب بالتدخل في عملية التصميم. مع ذلك، قليلة هي المنتجات التي أحدثت انقلاباً في مجال صناعة الأحذية الرياضية كما كان الحال مع "ييزي"، فقد حالف رورستيد الحظّ بالوقوع على منتج غيّر قواعد اللعبة.

جذبت التصاميم المحبوكة لأحذية "ييزي" ونعله الموسّد المريح المتسوقين العاديين، في حين انتهز تجار إعادة البيع الفرصة لكسب الأموال من مثل هذا المنتج واسع الشعبية. كانت الأحذية التي تُطرح بكميات محدودة تنفذ خلال دقائق، وكلّما صعب اقتناء الحذاء، زاد الطلب عليه.

أضف إلى ذلك قدرة ويست على خطف أنظار العالم مع كلّ منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وستحصل على وصفة المليار دولار.

في 2017، عام "ييزي" الأول مع "أديداس" بعد تمديد العقد، وصل صافي قيمة المبيعات إلى 300 مليون دولار، وتخطت الشركة حاجز المليار دولار من الإيرادات السنوية بعد ذلك بثلاث سنوات فقط، حسب مستند حول التدفقات المالية من إعداد مجموعة "يو بي أس" اطلعت عليه بلومبرغ بزنيسويك. لكن مع ارتفاع المبيعات، كان ويست يخرج عن طوره أكثر.

عاش المديرون التنفيذيون في "أديداس" أول حالة فزع في مايو 2018 حين اقتحم ويست غرفة الأخبار التابعة لموقع أخبار المشاهير "تي إم زي" وراح يقول إن العبودية كانت اختيارية للعبيد. تبع ذلك ردّة فعل غاضبة أدت إلى تراجع سعر أسهم "أديداس".

إلا أن رورستيد الذي ظهر على تلفزيون بلومبرغ للحديث عن أرباح الشركة المخيبة للآمال نفى التخمينات حول احتمال التخلي عن شريكه، وقال: "كان مبتكراً رائعاً، هذا كل ما سأقول".

عرض لأحذية "ييزي" في قاعة "ماديسون سكوير غاردن" عام 2016
عرض لأحذية "ييزي" في قاعة "ماديسون سكوير غاردن" عام 2016 المصدر: غيتي إيمجز

علاقة متوترة

لم يفاجئ ردّ فعل الإدارة فريق "ييزي" في "أديداس"، إذ يتحدث موظفو الشركة ومستشاروها والضليعون في القطاع عن سنوات ضاق ذرعهم خلالها من سلوكيات ويست وتلكؤ الإدارة في معالجتها. وجّه أفراد الطاقم لاحقاً رسالة غير موقّعة إلى كبار المسؤولين التنفيذيين اشتكوا فيها من استبدادية ويست وسلوكه غير اللائق، ما أثار حفيظة بعض المستثمرين الذين طالبوا بمعرفة منذ كم من الوقت تُتجاهل هذه التصرفات.

أجرت "أديداس" تحقيقاً أقرّت في نتيجته أن يي تسبب بخلق بيئة عمل "صعبة"، وقالت إنها ستتخذ الخطوات اللازمة لتجنّب مثل ظروف العمل غير المقبولة في المستقبل. (تعذّر الاتصال مع يي عبر الهاتف للحصول على تعليق منه).

لم يكد يمرّ وقت على حادثة "تي إم زي" حتى صدم ويست "أديداس" مجدداً حين قرر الانتقال من لوس أنجلس إلى بلدة كودي في وايومينغ بعد أن سجّل ألبوماً هناك، وطالب بانتقال طاقمه وبعض من موظفي "ييزي" في "أديداس" معه.

بدأت "أديداس" بالفعل ببناء مختبر تصميم جديد في منشأة دوائية سابقة في البلدة، ونقلت إليها تجهيزات بقيمة ملايين الدولارات لصنع عينات عن المنتجات. وبعد أشهر طويلة من التأجيل والتوقف عن العمل عدّة مرات، أُغلقت المنشأة أبوابها حين عرض ويست مزرعته في كودي للبيع وعاد إلى لوس أنجلوس في 2021.

فيما أثنى رورستيد على ويست علنياً، كانت علاقتهما تتدهور خلف الكواليس. طالب ويست منذ البداية أن يسيّر الأعمال على طريقته. وبالفعل حصلت "ييزي" على مستوى من الاستقلالية لا مثيل له بين العلامات التجارية الأخرى المنضوية تحت مظلة "أديداس".

لكن رورستيد رفض أن يخصّ ويست بمعاملة مميزة، وقد تسبب هذا الأمر بتوتر في العلاقة بين الطرفين بما أن نجم الراب لم يرغب بالتعامل إلا مع رأس الهرم في "أديداس"، لا مع المديرين الأقل درجة، بحسب أشخاص مطّلعين على المسألة.

فيما كان رورستيد يحبّذ السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأعمال، بحسب زملائه السابقين، كان ويست خارجاً عن السيطرة.

مشاكل متفاقمة

في غضون ذلك، كان رورستيد يواجه مشاكل أكبر في ألمانيا، فبرغم كلّ سلوكيات ويست المتهورة، فإن منتجه كان يدرّ الأرباح.

تهافت مهووسو الأحذية الرياضية على موقع "أديداس" في بداية الوباء في 2020، ليحصلوا على جديد أحذية "ييزي"، لكن خارج تلك الفقاعة لم تكن الأمور على ما يرام. رفض رورستيد بداية دفع بدلات إيجار المحال المغلقة مؤقتاً في ألمانيا، ما أثار حفيظة المستهلكين والسياسيين في البلاد. تلقت "أديداس" بعد أشهر مساعدة بقيمة 3.3 مليار دولار من الحكومة والمصارف الألمانية وقد أجبرها ذلك على تعليق توزيع الأرباح على المساهمين.

في ذلك الصيف بعد مقتل جورج فلويد في مينيابوليس، نظّم موظفو رورستيد في أوريغون تظاهرات يومية ضد الشركة، طالبوا خلالها بإحداث تغييرات، وقالوا إن المسؤولين خلقوا بيئة سامة للموظفين من غير البيض.

أرسل بعض الموظفين، مثل جوليا بوند، رسائل إلى كبار المديرين التنفيذيين في الشركة وأعدوا عرضاً مؤلفاً من 32 شريحة من أجل الضغط على قيادتها. قالت بوند التي تعمل مصمّمة: "باعتباري إحدى النساء القلائل من سوداوات البشرة في هذه العلامة التجارية، ما يزال مطلبي هو نفسه. لا أريد أن تستنكر العلامة التجارية العنصرية فقط بل يجب أن تعمل بجهد لتكون مناهضة للعنصرية".

أقال رورستيد رئيس قسم الموارد البشرية وشغل بنفسه هذا المنصب لعدة أشهر، وقال بعد عدّة اجتماعات: "لم نحقق التقدم المرغوب به مع مجتمع السود بالأخص في الولايات المتحدة ونحن نأخذ هذا الموضوع على محمل الجدّ".

طرح رورستيد حينها استراتيجية تمتد على خمس سنوات، تتضمّن استثمار أكثر من مليار دولار في "التحوّل الرقمي" ومضاعفة مبيعات التجارة الإلكترونية وتحقيق نموّ سريع يمكن الاعتماد عليه في الصين. إلا أن هذه الخطة المحكمة تعثرت بعد أسبوعين فقط على خلفية حملة المقاطعة الصينية للعلامات التجارية الغربية التي توقفت عن استخدام القطن المستخرج من إقليم شينجانغ بسبب مخاوف حيال العمالة القسرية لأقلية الأيغور العرقية.

ركبت شركات الملابس الرياضية الصينية بعدها موجة التشجيع على شراء منتجات مصنوعة في الصين، مستحوذة على بعض من حصص الشركات الأجنبية في السوق. قبل الوباء، كانت الصين تسهم بما يصل إلى 30% من الإيرادات السنوية لـ"أديداس"، ولكن في 2022، تراجعت الإيرادات من الصين بنسبة 36%.

أتى بعدها الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أجبر رورستيد على الانسحاب من روسيا، ما زاد من البضائع غير المباعة المتراكمة لدى "أديداس" وأدى إلى قطع العلاقة مع منطقة كانت تتفوق فيها "أديداس" تاريخياً على "نايكي".

تنحي رورستيد

في ذلك الوقت أيضاً، باع رورستيد "ريبوك" بحوالي 2.5 مليار دولار، وهو سعر بلغ ثلثي ما دفعته "أديداس" لشرائها قبل 15 عاماً. بحلول أغسطس، قلّصت "أديداس" أهدافها المالية وأعلنت أن رورستيد سيتنحى عن منصبه في 2023 ليفسح المجال أمام "إعادة انطلاقة" الشركة.

تبجح ويست على "إنستغرام" ناشراً صفحة مزيفة من صحيفة "نيويورك تايمز" جاء في عنوانها "وفاة كاسبر رورستيد عن 60 عاماً".

"أديداس" تبيع "ريبوك" المتعثرة بـ2.5 مليار دولار

بعد طلاق ويست وتغيّير اسمه رسمياً إلى "يي"، اتصل بأحد مراسلي "بلومبرغ" في سبتمبر في وقت متأخر من الليل ليبلغه أنه لم يعد يرغب بالعمل مع شركات في أميركا، ومنها "أديداس"، التي كان قد جنى منها إيرادات من حصص المبيعات تصل إلى حوالي 200 مليون دولار في العام الذي سبق ذلك، وتشكل شراكته معها حجر الزاوية لطموحه بأن يصبح مليارديراً.

اتهم ويست الشركة بسرقة تصاميمه، وبدا مستعداً للتخلّي عن كلّ شيء حتى ينطلق وحده دون أن يكون ملزماً بالانصياع لرغبات أي رئيس أو مجلس إدارة. كانت مستندات أعدّها "بنك أوف أميركا" واطلعت عليها بزنيسويك قدّرت قيمة "ييزي" بما يصل إلى 3 مليارات دولار في 2020.

قال ويست في ذلك الاتصال في وقت متأخر من الليل إن شركاءه في العمل والجمهور أيضاً يعاملانه وكأنه مجنون، وسأل: "هل أبدو لك مجنوناً؟" كان يي يجيب بروية عن الأسئلة حول مستقبله، مستغرقاً بضع ثوان ليفكر قبل أن يردّ، على عكس هذيانه عبر "تي إم زي" سابقاً.

قلل يي من شأن "أديداس"، واصفاً الشركة بأنها مجرد مزوّد للوجستيات تصلح للأعمال العادية وليس للإبداع. قال: "(أديداس) هي ببساطة شريك في التصنيع والتوزيع... لا يجب أن يتصرفوا وكأنّهم على الموضة".

مع ذلك، قال إنه يرغب بالتوصل إلى طريقة تتيح للطرفين الاستمرار بجنيّ الأموال، ربما من خلال "حضانة مشتركة" لأحذية "ييزي" التي سيستمر في إنتاجها بشكل مستقل، ويمكن لـ"أديداس" أن تبيعها.

تبيّن لاحقاً أن هذا الاقتراح بفتح فصل جديد بشكل ودّي أكثر تعقيداً ممّا يظن. إذ كان قد نشر قبل بضعة أيام تعليقاً على "إنستغرام" قال فيه إن "أديداس" اقترحت شراء حصته بمليار دولار، ولكنه رفض العرض. وقد رفضت "أديداس" تأكيد أو نفي ذلك لبزنيسويك.

اتهامات معاداة السامية

في ذلك الوقت، التقى ويست ببعض المديرين التنفيذيين في "أديداس" في جلسات خاصة. أظهر مقطع فيديو خاضع لكثير من التعديل نشره فريق ويست أنه أبلغ مديرين تنفيذيين أنهما يسيئان معاملة الشخص الذي يدرّ لهما المليارات حسب اعتقاده.

جلب ويست معه ليدتكي، الرئيس السابق للعلامات التجارية في "أديداس" الذي بات اليوم يملك شركة ملابس خاصة به وشيرفين بيشفار، المستثمر في وادي السليكون الذي عاد للأضواء كنائب رئيس لـ"ييزي" بعد أن كان قد اتُهم بسوء السلوك الجنسي قبل عدّة أعوام (ينفي بيشفار الاتهامات).

في مرحلة ما، تحدث ليدتكي الذي بدا أنه يعمل كوسيط، بشكل متعاطف مع مزاعم ويست بأن "أديداس" نسخت تصاميمه، حتى أن أحد المديرين التنفيذيين في "أديداس" أقرّ أنه بالإمكان تحسين تعاونهم مع ويست. لكن لم يبد أن ويست يرغب بمصالحة، فقد أخرج هاتفه وشغّل مقطعاً إباحياً أمام أحد مديري "أديداس" الذي بدا محتاراً في أمره، وقال له: "تشغيلي لفيلم إباحي ليس أسوأ كوابيسك".

عاشت "أديداس" أسوأ كوابيسها بالفعل في أكتوبر حين ارتدى ويست قميصاً كتب عليه "حياة البيض مهمة" في عرض لأحذية "ييزي" في باريس. وما هي إلا أيام حتى أصدرت "أديداس" بياناً قالت فيه إن شراكتها مع "ييزي" قيد المراجعة.

بدأ ويست بعدها يُطلق تصريحات معادية للسامية، منها يُفهم منها التشجيع على العنف ضد اليهود. سارعت "إنستغرام" و"تويتر" إلى تعليق حسابات ويست، فيما طُلب من موظفي "أديداس" و"ييزي" الاستمرار في العمل وكأن شيئاً لم يحصل، بحسب شخص مطّلع على المسألة.

استمر طرح منتجات "ييزي" الجديدة في السوق، وبحسب تقديرات مصرف "بي أر سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، حققت "أديداس" أكثر من 100 مليون دولار من مبيعات "ييزي" في الأسابيع الأولى من أكتوبر.

واصل ويست التصرّف كأنه عصيّ على الملامة، وقد تباهى قائلاً: "يمكنني الإدلاء بتصريحات معادية للسامية و(أديداس) لن تتخلى عني"، مستحضراً تاريخ الشركة وارتباطه بالنازية.

رغم كلّ ذلك، بدا أنه لم يتجاوز الخطوط الحمر للسلوك غير اللائق في نظر "أديداس"، في حين تخلّى عنه شركاؤه الآخرون، مثل "غاب" ودار أزياء "بالينسياغا" ووكالة إدارة المواهب الهوليوودية "كرييتيف أرتيستس" (Creative Artists).

التخلي عن "ييزي"

بحلول نهاية أكتوبر، واجهت أديداس ضغوطاً متزايدة من مستهلكين ومستثمرين ومجموعات حقوق الإنسان لإنهاء شراكتها مع "ييزي". قبل قطع تلك العلاقة، نظّمت "أديداس" أسبوعها العالمي السنوي للتناغم، وهي فعالية تقام على مدى أربعة أيام في مكاتب الشركة، تُعرّف داخلياً على أنها خطوة نحو "إنشاء ثقافة انتماء حقيقية".

حثّ المديرون الموظفين على حضور النقاشات والحوارات المصمّمة لتعزيز المساواة على امتداد الشركة. وفيما أثنى رئيس شؤون التنوّع في الشركة على ذلك الأسبوع الذي اعتبره ناجحاً، إلا أن كثيراً من الموظفين خالفوه الرأي، حتى أن بعضهم رفضوا حضور الفعالية، بل واعتبروها استعراضاً نفاقياً فيما ينشر أكبر شريك تجاري لها خطاب الكراهية.

شعر بعض الموظفين بكثير من الاشمئزاز لدرجة أنهم لم يترددوا بالحديث علناً. كتب مسؤول تنفيذي في قسم التسويق في "أديداس" على "لينكد إن": "لن أقف مع (أديداس) إلى حين تتخذ هي موقفاً".

درس رورستيد وكبار مسؤوليه التنفيذيين ومجلس الإشراف على الشركة خطواتهم التالية، وانتظروا ردّ شركتين قانونيتين أميركيتين قبل اتخاذ القرار، بحسب شخص مطّلع على المسألة.

في 25 أكتوبر، أي بعد شهر ونصف من إعلان ويست عزمه قطع علاقاته مع رؤساء الشركات ومجالس الإدارة، أجرى رورستيد والقيادة العليا في الشركة اتصالاً لم يستغرق أكثر من دقيقتين، وقرروا إنهاء علاقة "أديداس" مع "ييزي"، وتوقيف خطّ الإنتاج برمته على الفور.

في اليوم التالي، على بعد كيلومتر ونصف جنوب مقرّ "أديداس"، أعلنت شركة "بوما" عن تسجيل أضخم مبيعات وأرباح فصلية خلال تاريخها الممتد على 74 عاماً. لكن حتى فيما كان الرئيس التنفيذي للشركة غولدن يحتفل بهذا الإنجاز، كانت "أديداس" في باله.

لقد تلقى على مدى الأسابيع الماضية اتصالات شتّى من مسؤولي توظيف في "أديداس" ومساهمين وأعضاء في مجلس الإدارة سألوه ما إذا كان مستعداً ليحلّ مكان رورستيد. كان عقده مع "بوما" سينتهي في نهاية 2022 ولم يكن قد تفاوض مع الشركة على تمديده، وكان الرجل الذي بلغ من عمره 57 سنة، أنه ما يزال قادراً على العطاء في عمله.

رئيس تنفيذي جديد

حين تبوّأ غولدن المسؤولية في "بوما" عام 2013، كانت الشركة تعاني من أزمة هوية. فقد بالغت في التوسّع في مجال الأزياء، وبعد انخفاض مبيعات الأحذية الرياضية لسنين متتالية، بدأت الشركة بتسريح عدد من الموظفين وإغلاق بعض المتاجر وتقليص المنتجات.

رأى غولدن أن على الشركة مواكبة آخر صيحات الموضة في القطاع بشكل أسرع والعودة إلى جذورها في عالم الرياضة. وبعد بضعة أشهر، وقّع أكبر اتفاقية شراكة بين"بوما" وفريق "أرسنال" لكرة القدم في الدوري الإنجليزي، وأطلق بعدها حملة إعلانية ضخمة من بطولة العداء الجاميكي الشهير يوسين بولت. برغم ارتفاع مبيعات "بوما"، دعا غولدن المستثمرين للتحلّي بالصبر، وقال في بداية 2015، أي بعد سنتين على بداية عهده: "لا يمكنك أن تحدث انقلاباً في الشركة خلال 12 شهراً".

جمحت إيرادات "بوما" بحلول 2022، مرتفعة بحوالي ثلاثة أضعاف تحت إدارة غولدن، حيث سُجل نصف ذلك النموّ في الإيرادات خلال فترة الوباء. فقد طرح فريق غولدن أحذية جري مصمّمة لتحسين الأداء وخطاً جديداً من أحذية كرة السلة في الولايات المتحدة، كما وقعت الشركة على اتفاقات شراكة مع عدد من المشاهير.

تعاونت مع ريهانا في مجال الأحذية والملابس الرياضية، فيما تولّى جاي زي منصب المدير الإبداعي وبدأ يسافر على متن طائرة خاصة تابعة لـ"بوما". على عكس "أديداس"، كانت "بوما" في أفضل حالاتها.

خلال اتصال مناقشة الأرباح في أكتوبر، سأل المراسلون غولدن مراراً ما إذا كان مستعداً لتولي منصب الرئيس التنفيذي في "أديداس". لم ينف غولدن الأمر، ولكن أجاب بنوع من الغموض، قائلاً: "لم أتلق أي عرض منهم"، طالباً توجيه أي أسئلة عن هذا الموضوع إلى "أديداس".

ما هو إلا أسبوع حتى تسربت أخبار من هيرتزوغيناوراخ بأن غولدن سيغادر "بوما" ليتولّى منصب الرئيس التنفيذي في "أديداس"، وقد ارتفعت أسهم "أديداس" بأكثر من 20% على إثر الخبر.

اتساع فجوة "ييزي"

حين أصدر غولدن توقعاته القاتمة للأرباح في 2023، أثار ذلك قلق حتى المحللين والمستثمرين المخضرمين. انخفضت أسهم الشركة إثر تلك الأخبار، وتراجعت قيمتها السوقية بمقدار 3 مليارات دولار. وصف المحلل في مصرف "بادر" (Baader Bank) فولكير بوس الأمر بأنه "رهيب"، وقال إن خفض التوقعات "أعمق بكثير ممّا كان متوقعاً".

مع ذلك، يبدو أن المستثمرين كانوا قد بدؤوا يقتنعون بسردية غولدن، فالضربة التي تلقوها نتيجة خسارة قرابة 1.3 مليار دولار بسبب التخلي عن "ييزي" أتت مخففة بفضل سجل غولدن اللامع في "بوما". حتى أن البعض اقترح الإقبال على شراء أسهم "أديداس" بكثافة فيما هي منخفضة. كتب المحللون في مصرف "بيرنبيرغ" (Berenberg) أخيراً: "يتحلّى غولدن بنقاط قوة أساسية منها قدرته على القيادة وعلى بناء ثقافة تعاونية رابحة بسرعة".

لكن الفجوة التي خلّفتها أحذية "ييزي" في خطوط إنتاج "أديداس" آخذة في الاتساع، وفي حين حقق التعاون مع نجوم الرابطة الوطنية لكرة السلة مثل جيمس هاردن وداميان ليلارد وتراي يونغ بعض النجاح، إلا أنه لا يقارن بالنجاح الذي حققته "ييزي".

أمّا نيغو، أبرز مصمّمي الأزياء الشبابية الذي أسس علامة "إيه بيذينغ إيب" (A Bathing Ape) والمدير الفني لعلامة "كينزو" (Kenzo) تابعة "مويت هينيسي لوي فيتون"، فوقع عقداً مع "نايكي" بعد أن كان قد عمل بشكل واسع مع "أديداس" طوال عقود، بحسب تقرير لمجلة "كومبلكس" المتخصصة بالقطاع.

فيما كان يُتوقّع أن يشكّل خطّ الملابس الرياضية بالتعاون مع علامة بيونسيه التجارية "أيفي بارك" ورقة رابحة إلا أن الشراكة لم ترق إلى مستوى الآمال المعقودة عليها خلال السنوات الثلاث الأولى. قال شخص مطّلع على المسألة إن المبيعات جاءت أقل بـ200 مليون دولار من المتوقع، وقد اتفق الجانبان على إنهاء شراكتهما. (إلا أن غولدن يقول إنه لم يتم اتخاذ هكذا قرار بعد، ولم يجب ممثل بيونسيه على طلب التعليق).

أما فاريل ويليامز الذي كان قد وقّع اتفاقية طويلة الأمد مع "أديداس" في 2014، فقد انضم أخيراً إلى العلامة التجارية الفرنسية الفاخرة "لويس فيتون" كمدير إبداعي لقسم الأزياء الرجالية، ما يثير التساؤلات حول مستقبل شراكته مع "أديداس"، التي تعتبر إحدى أكثر الشراكات نجاحاً لدى الشركة بخلاف شراكتها مع "ييزي".

بيونسيه تسبب متاعب جديدة لشركة "أديداس"

نموذج أعمال مختلف

في الوقت الحالي، سيعود غولدن إلى الأصول التقليدية للشركة، وهو أمر اعتادت "أديداس" أن تفعله. فمع تجدد الإقبال على حذاء "سامبا"، طلب غولدن من المصانع التي يتعامل معها في آسيا زيادة إنتاجه لتتمكن شركته من الاستفادة من الفرصة.

إلى جانب قدرة غولدن على اتخاذ القرارات سريعاً، لعلّ رصيده الأكبر يكمن في اقتناعه بأن "أديداس" التي فقدت مكانتها كأكبر شركة أحذية رياضية في العالم منذ أربعين عاماً يجب أن تكفّ عن محاولة هزم "نايكي" في ملعبها.

قال في مكالمة مع المستثمرين أخيراً: "ليس لدينا ثقافة شوارع ألمانية لنصدّرها، لذا يجب أن نتصرف بطريقة مختلفة". تستحضر خطته الجديدة بعضاً من استراتيجية ستراسر ومور القائمة على استهداف شتّى أنواع الرياضيين، حتى أولئك الذين يستخدمون معدّات أقل ربحية، مثل أحذية المصارعة أو التزلج، والاعتماد بشكل أكبر على مراكز صناعة الثقافة الرائجة مثل لوس أنجلوس وشانغهاي وطوكيو من أجل طرح المنتجات المواكبة لصيحات الموضة. قال: "(أديداس) لها مورثاتها الخاصة، ويجب أن يكون نموذج الأعمال لديها مختلفاً عن الجميع".

لكن لا يبدو الجميع جاهزاً لأن يتخطى الأمور. في نهاية أبريل، رفع عدد من المستثمرين دعوى أمام محكمة اتحادية في أوريغون اتهموا فيها "أديداس" بانتهاك قوانين الأوراق المالية بسبب امتناعها عن الكشف بشكل كامل عن المخاطر التي كانت تعرفها حول شراكتها مع "ييزي".

قال المدّعون إن الشركة: "قدمت بيانات غير صحيحة بشأن حقائق مهمة أو حجبت حقائق مهمة" كانت لتؤدي إلى انخفاض سعر سهم "أديداس". نفت "أديداس" هذه الاتهامات، وقالت إنها ترفض "هذه المزاعم التي لا أساس لها من الصحة وستتخذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن نفسها بقوّة ضدّها".

مستثمرون يقاضون "أديداس" بسبب علاقتها مع مغني راب

بعد أشهر من عدم اليقين، تلقى عديد من نحو 90 موظفاً لدى "أديداس" كانوا يعملون على مشروع "ييزي" في بورتلاند ولوس أنجلوس أخيراً مهامهم الجديدة. في غضون ذلك، يبدو أن ويست اختفى تماماً من دائرة الضوء، حتى أنه توقف عن التواصل مع عديد من أصدقائه المقربين ومحاميه السابقين وشركائه في العمل.

راهنت "أديداس" حين بدأت تبيع مخزونها من أحذية "ييزي" في 31 مايو على أن يركز الجمهور على موقفها ضد "خطاب الكراهية" وليس على ويست الذي سيظهر على الأرجح لاحقاً ولو لفترة وجيزة بما أنه سيحصل على مبلغ كبير جداً.

فيما ستتبرع "أديداس" ببعض أرباحها من "ييزي" إلى مؤسسات مثل "رابطة مكافحة التشهير" والمنظمة غير الربحية التي يديرها شقيق جورج فلويد، إلا أنها ما تزال مضطرة لدفع نسبة من الأرباح تبلغ 11% عن كلّ زوج أحذية تبيعه.

يعني ذلك أنه في حال أقبل محبو الأحذية الرياضية على شراء كامل مخزون "أديداس" من أحذية "ييزي"، فإن الشركة ستضطر إلى دفع نحو 150 مليون دولار إلى ويست.