مسير سوق المركبات الكهربائية بسرعتين يهددها

المستهلكون منقسمون بين عالمين يتجه أحدهما نحو المركبات الكهربائية وآخر يتمسك بتلك العاملة بالوقود

موظفون يعملون في خط إنتاج "أيونيك 5" من شركة "هيونداي موتور" في مصنعها في أولسان، كوريا الجنوبية، في 20 يناير 2022
موظفون يعملون في خط إنتاج "أيونيك 5" من شركة "هيونداي موتور" في مصنعها في أولسان، كوريا الجنوبية، في 20 يناير 2022 المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يسير عالم صناعة السيارات باتجاهين متعاكسين في آن واحد، وسيواجه صانعو السيارات خطر الانحراف عن طريقهم إن لم يعالجوا تلك التناقضات.

يكتسب الانتقال نحو المركبات الكهربائية زخماً في الصين وأوروبا، حيث شكلت المركبات العاملة على البطاريات نحو ربع مبيعات السيارات في السوقين في أغسطس، بحسب مصرف "مورغن ستانلي"، فيما أسهمت السيارات الهجينة التي تُشحن كهربائياً برفع هذه النسبة إلى 38% في الصين و28% في أوروبا.

إلا أن الأوضاع تبدو مختلفة جداً في الولايات المتحدة والهند، حيث نسبتها لا تتجاوز 10%، أما في اليابان فيعتري المبيعات هزال شديد فهي لم تجاوز 3%. في غضون ذلك، أعلنت شركة "هوندا" الأسبوع الماضي تخلّيها عن خطط مع "جنرال موتورز" لصنع مركبات كهربائية سعرها دون 30 ألف دولار، وأجلت "جنرال موتورز" و"فورد" مواعيد تحقيق أهدافهما المتعلقة بتعزيز مبيعات المركبات العاملة على البطاريات. حتى أن إيلون ماسك استبعد زيادة إنتاج مركبات "سايبرترك" (Cybertruck) من "تسلا" قريباً.

"هوندا" تعلق خطط إنتاج سيارات كهربائية مع "جنرال موتورز"

استثمارات ضخمة

قد تظنون أن التحول عن المركبات الكهربائية التي تسبب خسائر والعودةَ لإنتاج سيارات رياضية متعددة الأغراض وشاحنات صغيرة شرهة للوقود ما يزال المستهلكون يُقبلون على شرائها، هو العلاج الذي يحتاج له القطاع. إذ أن مكررات ربحية صانعي السيارات تسجل أرقاماً أدنى من 9 هذه الأيام مقابل 17.6 لمجمل شركات مؤشر ستاندرز أند بورز.

في غضون ذلك، اتفقت "فورد" أخيراً مع عمّالها المضربين على زيادة في الأجور قدرها 25%، وهذا من شأنه أن يضغط أكثر على هوامش الربح، كما فتحت بذلك الباب أمام مزيد من اتفاقيات مشابهة قد تتوصل إليها شركات صناعة السيارات الأميركية المنافسة في مواجهة التضخم. إذاً هل سيستيقظ المديرون التنفيذيون في القطاع يوماً ليكتشفوا أن المسيرة نحو المركبات الكهربائية كانت مجرد حلم؟

"تسلا" تقلص توقعات النمو وماسك يرى عاصفة مقبلة

ليت الأمر كان بهذه البساطة. يواجه القطاع في الواقع وضعاً سيئاً في كلّ الأحوال، فالسوق العالمية منقسمة بين دول مستعجلة للتخلص من الكربون، وأخرى تبدو فيها ثورة المركبات الكهربائية غير مستقرة. يعني ذلك أن الشركات ستكون مضطرة لقضاء وقت أطول في تطوير مجموعات دفع للمركبات العاملة على الوقود وأخرى لتلك العاملة على الكهرباء، بدل الانتقال بشكل قاطع من أولاهما إلى الثانية.

إن إنشاء خطوط الإنتاج وتحسينها عملية شاقة ومكلفة. فقد خصصت "فولكس واجن" و"تويوتا موتور" أموالاً للإنفاق الرأسمالي تتجاوز تلك التي خصصتها شركات من وزن "إكسون موبيل" و"ولمارت" و"إنتل"، فيما تسير "بي واي دي" على خطاهما. إن إعادة تجهيز المصانع لتزويدها بخطوط تجميع ذاتية التشغيل ومكابس تشكيل المعادن فائقة الضغط المصممة لتصنيع المركبات الكهربائية هو تحوّل يحدث مرّة في قرن، وهو مكلف حتماً. لقد قدرت "فورد" في العام الماضي أن تبلغ تكلفة توسيع قسمها الخاص بالمركبات الكهربائية 50 مليار دولار خلال خمس سنوات، وهذا يعادل نحو ثلثَي ميزانية إنفاقها الرأسمالي، إلى جانب عشرات المليارات التي ستُنفق على الاستحواذات والهندسة.

صنف دون آخر

لا يترك ذلك كثيراً من المال لمحركات الاحتراق الداخلي التقليدية. حتى أن أحد الأسباب التي تجعل المركبات التقليدية مربحة حالياً هو تقليص الاستثمارات فيها. فقد أصبحت خطوط الإنتاج أبسط وانخفض التركيز على البحث والتطوير على فرضية أن مبيعات السيارات غير الكهربائية ستنخفض إلى الصفر في الأسواق الكبرى خلال أقلّ من عقد. أدّى ذلك إلى خفض التكلفة وبالتالي ارتفاع هامش الأرباح، لكن في حال تأخير التحوّل نحو المركبات الكهربائية، سيتعين الإنفاق مجدداً على المركبات التقليدية كي لا تصبح منتجاتها قديمة.

يفسّر ذلك ردة فعل صانعي السيارات السلبية تجاه قرار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بتأجيل تطبيق حظر على بيع السيارات التقليدية الجديدة ليصبح 2035 بدلاً من 2030. بدل أن ترحب بهذا القرار، اشتكت كل من "فورد" و"كيا" و"نيسان" و"ستيلانتيس" و"فولكس واجن" من أنه يجلب حالةً من عدم اليقين وصعوبات في تنسيق سلاسل الإمداد الدولية.

إذا كنت تظن أن التحوّل في موقف سوناك فوضوياً، فإن السوق السائرة بسرعتين حالياً أخطر من ذلك. حاول مثلاً أن تعدّ ميزانية إنفاقية من تسعة أرقام لعدّة سنوات في ظلّ حيرة بشأن خيارات المستهلكين والبنية التحتية للشحن الكهربائي والنظم الاقتصادية المتعلقة بالوقود على امتداد سلطات ناظمة متعددة. الشركات الأميركية والصينية محظوظة على الأقل بما أنها قادرة على التركيز بثقل كبير على أسواقها الداخلية، أمّا الشركات الأخرى فعليها التعامل مع عدّة أمور في آن واحد.

أرباح الشركات تظهر منافسة قوية على السيارات الكهربائية في آسيا

يرجح أن تسوء الأمور أكثر قبل أن تبدأ بالتحسن. إن المركبات الكهربائية في الصين بدأت تنافس التقليدية من ناحية السعر، وباتت هوامش الربح لدى شركة صناعة المركبات الكهربائية "بي واي دي" تعادل هوامش الربح لدى قريناتها من شركات صناعة السيارات العاملة على الوقود، بحسب جوانا تشين وستيف مان من بلومبرغ انتلجنس.

لكن بلومبرغ إن إي إف تتوقع تحقيق هذا التعادل في بلدان أخرى في مواعيد مختلفة تتراوح بين 2025 و2031، أي دورتَي إنتاج مدى كل منها ثلاث سنوات، ستبقى خلالها أذواق المستهلكين وأولويات المستثمرين كذلك منقسمة حتى في أفضل السيناريوهات بين عالم يتحول إلى المركبات الكهربائية وآخر يتمسك بالتقليدية.

العودة إلى الوراء غير واردة، لكن المديرين التنفيذين في قطاع السيارات سيضطرون للتعامل مع خسائر أكثر بكثير خلال السنوات المقبلة.